قانون صندوق التكافل العائلي.. تأملات واستدراكات
إعداد / ذ. محمد العبدلاوي
باحث في قضايا الأسرة
غني عن الذكر ما أولاه المشرع للفئات الهشة من عناية خاصة، عبر محطات
إصلاحية شملت شتى القوانين الوطنية، ومن بينها على سبيل المثال قانون صندوق
التكافل العائلي، الذي شكل لبنة أساسية في دعم المرأة المعوزة وأبنائها، سواء
أثناء قيام الزوجية أو بعد انحلالها، وكان محط أنظار العديد من المهتمين والدارسين
والنقاد أيضا، الشيء الذي تُوج بترقيته من خلال صياغة مشروع القانون 83.17 القاضي
بتغيير وتتميم القانون 41.10 المحدد لشروط ومساطر الاستفادة من تسبيقات[1]
صندوق التكافل العائلي، والمصادقة عليه ودخوله حيز التنفيذ في 12 مارس 2018 تاريخ
صدوره بالجريدة الرسمية، وكذا بصدور المرسوم التنظيمي 2.18.249 بتغيير المرسوم رقم
2.11.195 والمنشور بالجريدة الرسمية في 16 يوليوز 2018 ، والذي تضمن بدوره مجموعة
من المستجدات همت أساسا تحديد سقف الاستفادة من التسبيقات المالية، وكذا الوثائق
المطلوب إرفاقها... وبعد كل هذه التعديلات المتسارعة المتلاحقة، كان لابد من وقفة
تأمل ومقارنة خصوصا وأن القانون الجديد شمل فئات جديدة انضافت إلى قائمة
المستفيدين، وليس مقصدي في هذا العمل الإحاطة بدراسة القانون المذكور واستيعاب تفصيلاته،
ولكن حسبي مناقشة ما غلب على ظني المتواضع أنه بحاجة إلى بسط أو محاولة تشريعية
أخرى إما تغييراً أو تتميماً، وإلى بيان ذلك أقول وبالله التوفيق :
تعيش بعض الأسر حالة عصيبة جراء قلة ذات اليد، الشيء الذي يحذو بالملزم
بالإنفاق في بعض الأحيان إلى إهمال أسرته والانسلاخ عن مسؤولياته المادية اتجاهها،
وقد لا تكون الفاقة السبب وراء فعله، ولكن يتخذ الإهمال أوجهاً عدة وأسبابا
مختلفة، أهمها النفور النفسي وغياب المساكنة والمعاشرة بين الزوجين، وبسبب تأزم
الوضع تلجأ الزوجة إلى استصدار حكم يقضي بالإنفاق لها ولأبنائها، أو طلب إنهاء
العلاقة الزوجية إن رأت الخلاص في ذلك... مستفيدة من مستجدات قانون مدونة الأسرة
الذي رأى النور في فبراير 2004 والذي جاء بمجموعة من التعديلات التي ساهمت إلى حد كبير
في إنصاف (المرأة والطفل)، وإعادة الاعتبار لهما وتطويق مظاهر التعسف والحيف التي
تطالهما[2]، ومن
مَـيِّزات قانون الأسرة الجديد تسريع وتيرة النظر في القضايا المتعلقة بالنفقة داخل
أجل أقصاه شهر من تاريخ وضع الطلب[3] وشمول
الحكم بالنفاذ المعجل، أما إذا لجأت إلى إنهاء العلاقة الزوجية فإن حكم التطليق
يصدر مشفوعا بنفقة الأبناء، إذن ففي المستجدات التي نصت عليها المدونة متنفسا
للأمهات المطلقات وأبنائهن، لكن ليست القضية إصدار حكم وانتهى الأمر، ولكن المشكلة
أن قلة قليلة فقط من هذه الأحكام تجد سبيلها للتنفيذ الإيجابي – أعني الأداء - وما
عداها تظل حبيسة الورق لصعوبة التنفيذ على المحكوم عليه إما لعوز أو غياب أو امتناع عمديٍّ أو غير
ذلك من العراقيل التي تقف حجر عثرة وتنفيذ الحكم، الشيء الذي يطرح أكثر من علامة
استفهام حول إلزامية هذه الأحكام ومدى نجاعتها وفاعليتها... فمدونة الأسرة رغم كل ما
أتت به، لم تكن كافية لحل هذه المعضلة التي أثقلت كاهل القضاء، ولم تفلح أيضا باقي المحاولات
التشريعية في احتوائها، إلا ما كان من صندوق التكافل العائلي الذي دعا إلى ضرورة إحداثه
جلالة الملك في خطاب له بمناسبة افتتاح السنة القضائية، والذي أقـرّ
فيه الغاية الملحة التي تستدعي إنشاءه فقال : (ولهذه الغاية وبدلا من إحداث صندوق
للنفقة قد يُفهم منه التشجيع غير المقصود على أبغض الحلال عند الله وتشتيت شمل
الأسرة، فإننا نُدِر توجيهاتنا إلى حكومتنا قصد الدراسة المتأنية لإيجاد صندوق للتكافل العائلي، يعتمد في جزء
من موارده على طوابع ذات قيمة رمزية توضع على الوثائق المرتبطة بالحياة الشخصية
والعائلية، وترصد نفقاته على أساس معايير مدققة، مستهدفين من ذلك ضمان حقوق الأم
المعوزة وحماية الأطفال من التشرد الناتج عن الطلاق)[4]، والذي يأتي ــــ أي إحداث هذا الصندوق ــــ انسجاما مع تعاليم الإسلام
السمحة التي تُعتبر أوفى من دعت إلى تعزيز التكافل الاجتماعي بشتى صوره بين فئات
المجتمع ودعم أواصر المحبة والإخاء بينهم، وما
نَلحظه في آيات القرآن من تكرر الدعوة إلى الإحسان للفقراء والمساكين واليتامى وابن
السبيل ... لخير دليل على ما ذُكر.
ويعود جلالته مرة أخرى ليؤكد على ضرورة الإسراع بإخراجه للوجود في خطابه التاريخي
بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية السابعة، ومما جاء في الخطاب (كما أمرناه ـــ أي وزير العدل ـــ بالإسراع بإيجاد مقرات لائقة لقضاء الأسرة بمختلف محاكم المملكة، والعناية
بتكوين أطر مؤهلة من كافة المستويات، نظرا للسلطات التي يخولها هذا المشروع للقضاء،
فضلا عن ضرورة الإسراع بإحداث صندوق التكافل العائلي)[5]، وقد أضفى هذا القانون بلا شك قيمة مضافة لشريحة مهمة من المجتمع، وشكل نقلة نوعية ضمن
الآليات القانونية التي تضمن تنزيلا سليما وناجعا لمضامين المدونة، من خلال تمكين
ولوج النساء والأطفال لخدمات العدالة ورفع الحيف عنهم وتمكينهم من الكفاف وإغنائهم
عن السؤال، وسأحاول مناقشة هذا الموضوع في محورين أساسيين، خصصت الأول للفئات المستفيدة والثاني للوثائق المطلوبة.
المحور الأول : الفئات المستفيدة من تسبيقات
الصندوق
حددت المادة 2 [6] من
القانون 41.10 دائرة المستفيدين من التسبيقات المالية لصندوق التكافل العائلي، ولكن
قبل استعراض تلك الفئات نُذكِّر أن المادة سالفة الذكر قبل تعديلها، كانت تعطي للأم المعوزة
المطلقة أحقية الاستفادة، فكانت تشترط ثلاث قيود على سبيل الحصر، خرجت بالأول
المطلقة بدون أبناء وبالثاني الأم الموسرة وبالثالث الأم المعوزة غير المطلقة[7]،
وكانت إلى حد ما شروطا منطقية لسببين :
-
الأول : لاستجابتها لمنطوق النص الملكي ــــ الموجز والجامع ــــ
ومما جاء فيه (مستهدفين من ذلك ضمان حقوق الأم المعوزة وحماية الأطفال من
التشرد الناتج عن الطلاق)، فجعل الأمومة
والعوز والطلاق[8]
شروطا للاستفادة.
-
الثاني :
فيه تفصيل فأما المرأة الموسرة فيلزمها النفقة على
الأسرة إسوة بما كان عليه الأمر في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، حيث جاء في
المادة 199 من القانون 70.03 ما يلي : ((إذا عجز الأب كليا أو جزئيا وكانت الأم
موسرة، وجبت عليها النفقة بمقدار ما عجز عنه الأب))، وكان ينص الفصل 129 من قانون
الأحوال الشخصية الملغى على أنه : ((إذا عجز الأب عن
الإنفاق على ولده وكانت الأم غنية وجبت عليها النفقة))، وأما الأم المعوزة غير المطلقة[9]
فنفقتها في مال زوجها أو الملزم بالنفقة تجاهها، وأما المطلقة بدون أبناء فقد بانت
من زوجها ولا صلة بينهما ولا مقرر يقضي بالنفقة في حوزتها لعدم وجود أبناء، لأن أسباب
وجوب النفقة على الغير حسب المادة 187 من
مدونة الأسرة هي : الزوجية والقرابة والالتزام ولا واحدة تصْدُق عليها.
نأتي إلى استعراض الفئات المستفيدة حسب تعديل القانون 83.17 وهي كما يلي :
1
:: الزوجة المعوزة المستحقة للنفقة
وهذه الفئة من المستجدات التي جاء بها القانون 83.17 وتتضح بكون الزوجية لا
تزال قائمة بين الطرفين.. طالبة الاستفادة والملزم بالنفقة، وسواء أكانت الزوجة
أُمّا أو بدون أبناء، لكن بعد ثبوت عجز الزوج بالعسر وعدم يسر الزوجة في مقابل ذلك،
وطبعا عِبء إثبات عدم اليسر هذا إنما يقع عليها وعلى الزوج إثبات العكس، كما أن
عجزه بالعسر هو الملزم بإظهاره وعلى الزوجة إثبات خلافه، لكن وفي ظل التعديل
الجديد أُلزِمت طالبة الاستفادة إذا كانت متزوجة أن تدلي بتصريح بالشرف[10]،
مصحح الإمضاء بكون العلاقة الزوجية مع الملزم بالنفقة ما تزال قائمة عند تاريخ
تقديم الطلب، وبالالتزام بإشعار رئيس المحكمة أو الهيئة المختصة فورا بكل تغيير
يطرأ على هذه العلاقة.
لكن ما يعاب على المشرع هو إقصاؤه دون سبب منطقي للأم المعوزة المطلقة
المتوفى عنها طليقها، رغم استيفائها لجميع شروط الاستفادة، والذي أميل إليه عدمُ
إقصاء المتوفى عنها الملزم بالنفقة سواء أكان طليقَها ــــ مع توفر الشروط ــــ أو زوجَها
أي أنها أرملة إن لم يكن لها مورد رزق، ولعل هذه الأخيرة أقل وطأة من سابقتها،
لأنها تجد سندا في الاستفادة من خلال صندوق الأرامل الموكول تسييره وتدبيره
لعمالات المملكة.
وما يؤاخذ عليه المشرع أيضا عدم تقييد شرط الاستفادة بعدم الزواج بعد
الطلاق[11]
سواء أكان بين نفس الطرفين – لتغير الظروف التي كانت سببا في وجوب النفقة - أو
زواج ثان، وفي هذه الحالة حتى لو علمت المحكمة بهذا الزواج الثاني فلا مدخل لها
لحرمان طالبة الاستفادة إذا توافرت أسبابها، لأن دور القاضي هو تنزيل النصوص فحسب،
ولا اجتهاد مع النص، وقد يجاب عن هذا بأن الزوج الثاني غير ملزم بالإنفاق على
أبناء غيره.
وأما بخصوص إقصاء الوالدين المعوزين فربما لِقلِّة الملفات المعروضة على
المحاكم من هذا القبيل، وإذا ما فُتِح الباب لهذه الفئة لادّعى الكل الأكاذيب،
ولعجّت المحاكم بقضايا نفقة الفروع على الأصول من باب الاحتيال على القانون، ولكن
يُكذِّب هذا التوجه أن المشرع اعتمد فئة المكفولين رغم لا أقول قلة ملفات النفقة
المتعلقة بها بل لانعدامها أصلا، فكيف يسوغ لعقل سليم اعتبار المكفولين وإقصاء
الوالدين؟ ولعل في الأمر مزيد اهتمام بمصلحة الطفل، لاسيما وأن المنتظم الدولي
يتابع عن كثب وبشكل دوري السياسات العمومية للدول الموقعة على اتفاقية حقوق الطفل
والبروتوكولات الملحقة بها، وأيضا إرضاء لنسيج عريض من مؤسسات المجتمع المدني
والحقوقي التي ترفع تقاريرها الموثقة، والتي لا ينبغي أن تكون سلبية، وما ذاك إلا
تلميعا لصورة البلد في المحافل الدولية، وهو شيء محمود ولا حرج فيه البتة، ولكن
الحرج كل الحرج في إقصاء الوالدين رغم أنهما أولى بهذه الالتفاتة.
ويلزم المحكمة أن تتأكد من انعدام أي تحايل على القانون في هذا الباب، ذلك
أن البعض ما إن يتسامعوا بهذا الـمُعطى (صندوق التكافل العائلي) إلا
وتشرئب أعناقهم للحصول على تمويل للأسرة من طرف الدولة، فلأجل ذلك يمثلون مسرحية محبوكة
المراحل (ادعاء الشقاق وتحصيل مقرر النفقة ثم التنفيذ وامتناع المحكوم عليه عن
الأداء...)، بل أضحى الأمر أسهل بكثير، فلا يشترط انحلال ميثاق الزوجية
بالطلاق، إنما يكفي مقرر يقضي بالإنفاق مع قيام الزوجية في ظل التعديلات الجديدة، لذا يلزم أجهزة الدولة أن تكون يقِظة مع هؤلاء الانتهازيين الذين يستحلون المال العام بغير وجه حق، وكذا تتبع المستفيدات
بعد تحصيلهن لمقرر الاستفادة من الصندوق، فما المانع أن يراجعها طليقها بعد هذه
الفترة، وإنما خصصنا بالذكر اجتماع الطليقين بعد افتراقهما، لتغير الظروف التي
كانت سببا في استفادة أبناء المطلقة، فلا موجب لاستمرار استفادتهم بمقتضى حكم التطليق
والعلاقة الزوجية قائمة، والمطلوب في هذه الحالة استصدار حكم جديد بالإنفاق وسلوك
مسطرة الاستفادة من جديد، والمطلوب كذلك تفعيل دور المساعد الاجتماعي من خلال
انتدابه للقيام ببحوث في هذا الصدد حول الراغبات في الاستفادة أو المستفيدات للوقوف
على حقيقة وضعهن الاجتماعي.
2
:: الأطفال المستحقين للنفقة بعد الطلاق وأثناء قيام الزوجية
رغم أن المادة 198 من مدونة الأسرة قيدت نفقة الأب
على أولاده إلى حين بلوغهم سن الرشد، أو إتمام الخامسة والعشرين بالنسبة لمن يتابع
دراسته، نرى المرسوم التنظيمي لم يتطرق لشيء من ذلك، ولا يَشترط في الأطفال
الرشداء الإدلاء بشهادة تثبت متابعة الدراسة هذا جانب، من جانب آخر نفترض أن الطفل
المحضون اختار أن يعيش مع أبيه عند بلوغه السن التي يُخوِّل له
بموجبها القانون ذلك، وهي 15 سنة حسب المادة 166 من المدونة، سوف تستمر الأم
بالاستفادة من تسبيقات الصندوق دون موجب شرعي، والقانون 41.10 نفسُه لا يعطيها
الحق في المادة 10 منه التي نصت على حالتي إيقاف الاستفادة وجاء فيها : (تواصل الهيئة المختصة صرف
المخصص المالي للمستفيدين منه إلى حين سقوط حق المحكوم له في النفقة، أو إلى حين
ثبوت تنفيذها من لدن المحكوم عليه)، فاختيار الطفل أباه في الحضانة وانقطاع الرشداء
الذكور عن الدراسة سببين موجبين لسقوط الفرض شرعا في الإنفاق، الشيء الذي يستلزم
بالتالي إيقاف الاستفادة من التسبيقات التي يصرفها صندوق الإيداع والتدبير.
يُذكر أن فئة مستحقي النفقة من الأبناء أثناء
قيام الزوجية إنما هي من المستجدات التي أتى بها القانون 83.17 وذلك بعد ثبوت عوز الأم، وسواء أكانت
الأم على قيد الحياة أو مُتوفاة، يسترسلون في استخلاص مستحقاتهم حتى سقوط الفرض عن
الملزم بالإنفاق، نفس الشيء حاصل بعد الطلاق بين الطرفين، وهذا ما يستلزم تعزيز
ولوج الأطفال القاصرين للعدالة – كما جاء في الدليل الذي أعدته الوزارة كثمرة لهذه الجهود التشريعية - لاقتضاء أمورهم واستيفاء حقوقهم
بعد وفاة أمهم في مواجهة أبيهم، هذا الأخير هو النائب الشرعي المفترض فيه تولي ذلك
نيابة عنهم، لكن لا يعقل أن يكون خصما وحَكما في آن واحد، خصوصا أن من
مبادئ التقاضي التواجهية وقد لا يكون محل ثقة أو لا يكون موجودا، وفوق هذا كله استُبعدت
نيابة الأب إذا كان حاضنا بمقتضى المادة 4 من القانون 41.10 ما يدل على أنه لا
معنى لوجوده حتى لو تحقق وعلى هذا فقِس، ومعلوم أنه لا يصح التقاضي من الطفل لانعدام الأهلية أو
نقصانها كما أقر ذلك الفصل 1 من ق.م.م ومما جاء فيه : ((لا
يصح التقاضي إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة، لإثبات
حقوقه...))، ولا إشكال في اشتراط الصفة والمصلحة، لكن ما لا يُتصور عقلا ولا حكما
حرمان فاقد الأهلية أو ناقصها من إثبات حقوقه وتحصيلها، لذلك سن المشرع بديلا مَكَّن
هذه الشريحة المهمة من مباشرة إجراءاتها أمام القضاء وهي الإذن بالتقاضي، فعلى
الأطفال المحكوم لهم بالنفقة الذين ليس لهم نائب شرعي أو لم تتأت النيابة عنهم قبل
مباشرة إجراءات الاستفادة من التسبيقات المالية لصندوق التكافل العائلي، أن يستصدروا
إذناً بالتقاضي[13]
من طرف رئيس المحكمة[14]،
يُضم إلى وثائق الملف المذكور، وهو ضروري في حالتهم، وتُنذر المحكمة الطرف المعني
بتصحيح المسطرة داخل أجل تحدده وإلا صرحت بعدم قبول الطلب، إذ يعتبر هذا الإذن إلى جانب باقي
الشروط من النظام العام التي يجب توفرها للتقاضي، ويجب التمييز هاهنا بين ناقص
الأهلية وهو الطفل المميِّز الذي جاوز اثنتي عشْرة سنة، وفاقدها أي غير المميِّز ما
سنه دون ذلك، فالأول له أن يتقدم بطلب الإذن بالتقاضي شخصيا – سواء أكان نائبه
الشرعي أو لم يكن أو لم تتأت النيابة الشرعية عنه بعد- في حين لا يصح ذلك من غير
المميِّز ولِوصِيِّهُ أو المقدم عليه أو الحاضن غير الأب مباشرة إجراءات طلب
الاستفادة دون الحاجة إلى إذن بالتقاضي، وأخرجنا الولي "الأب" لأنه هو
نفسه المحكوم عليه، وأخرجنا كذلك الولي بقوة القانون عند غياب الأب
"الأم" لأنها متوفاة، ولا ينبغي الخلط بين الإذن بالتقاضي والإذن
بالترافع، فالأول لأجل اكتمال شرط الأهلية أما الثاني فلثبوت شرط الصفة.
لكن
قد يثار هاهنا خلاف فقهي مؤداه مدى أحقية الأبناء خارج إطار الزواج – مع إقرار
بالنسب - من الاستفادة من تسبيقات الصندوق، وهل العبرة فقط بمقرر النفقة
دون سبق زوجية؟ فليس عقد الزواج وحده الموجب لنفقة الإبن على أبيه البيولوجي، وهذا
ما اتجهت إليه المحكمة الابتدائية بمراكش في أحد الأحكام الصادرة عنها، والذي
اعتبرت فيه أن المسؤولية المدنية للمغتصب موجبة للنفقة على الإبن المتنسل من مائه
إلى حين قدرة هذا الأخير على الكسب، ومما جاء في منطوق الحكم : [ما دامت البنوة
تعتبر شرعية بالنسبة للأم في حالة الاغتصاب، فإن الأب يبقى ملزما بتحمل المسؤولية
الكاملة في شقها المدني اتجاه الولد المزداد نتيجة لخطئه- المتمثل في الاغتصاب
الثابت بمقتضى القرار الاستئنافي المحتج به – إلى أن يرشد، وذلك في إطار الفصل 77
من ق.ل.ع (وبعد مناقشة عناصر المسؤولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية)، ذلك
أن المادة 148 من مدونة الأسرة تنص على أنه لا يترتب عن البنوة غير الشرعية
بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية، ما يعني أنه يمكن أن يترتب عليها آثار
أخرى كالقول بمسؤولية الغاصب المدنية اتجاه ليس فقط الأم المغتصَبة، وإنما كذلك
المولود الناتج عن هذا الاغتصاب إلى أن يصبح قادرا على الكسب ما دامت البنوة تتحقق
بتنسل الولد من أبويه "المادة 142 من م.أ " ، وقد سبق لمحكمة النقض أن
أكدت التوجه المذكور لما قضت بأن (التزام الطاعن بنفقة الحمل البين من المطلوبة
يلزمه دون مناقشتها لشرعية الحملِ) قرار محكمة النقض عدد 381 صادر في 20/7/2005
ملف 29/1/2/2005 منشور بمجلة المجلس الأعلى عدد 64-65 ص 173][15]،
لكن ورغم تحقق شرط إيجاب الإنفاق للأبناء خارج إطار الزواج، إلا أن قانون صندوق
التكافل العائلي حدد الفئات المستفيدة من تسبيقاته في المادة 4[16] على
سبيل الحصر، والزيادة على النص
تحتاج إلى دليل، ولما اشترط المشرع على طالبة الاستفادة أن تدلي بتصريح بالشرف
يفيد قيام الزوجية، فقد أقصى ضمنيا مستحِقة النفقة بدون زواج.
3
:: مستحقو النفقة من الأطفال المكفولين المحكوم لهم بها
إذا كان النسب هو سبب نفقة الأب على أبنائه من
صلبه لأنه سبب وجودهم بمقتضى الزواج الشرعي، فإن وجوب نفقة المكفول على الكافل تجد
سندها في الاستثناء من القاعدة الكلية، ويقصد بالاستثناء عقد الالتزام بالإنفاق
الذي تحمله الكافل اتجاه المكفول، ولولاه ما كانت لتوافق له المحكمة على ضم الولد
إليه، لكن ما يعاب على المشرع هو استثارة هذه النقطة وتوهم محاولة الضغط على
الكافل الذي ما حمله على الكفالة -في الغالب- إلا ابتغاء الأجر والثواب من الله
سبحانه، وطمعا في نيل موعود النبي صلى الله عليه وسلم بمرافقته في الجنة، فلماذا
التضييق على الكافل وإلزام الزوجة باستصدار حكم بالإنفاق ضده لفائدة المكفول حتى
تنظر المحكمة في طلبها الاستفادة من التسبيقات المالية للصندوق؟ والذي أنحو إليه
والله أعلم وجوب إعفاء هذه الفئة من الإدلاء بالمقرر القاضي بالإنفاق، والاكتفاء
بالوثائق التي تثبت العوز تشجيعا لهم على البذل والعطاء ولغيرهم على المنافسة في
أبواب الخير، خصوصا وأن الدولة لا تمكنهم من أي موارد لتقلد هذه المهمة الجليلة أعني
الكفالة، بل على العكس من ذلك تضعهم تحت المجهر من خلال الرقابة البعدية بعد إسناد
الكفالة، فيكون المساكين على موعد مع جرد مفصل لوضعهم المادي والاجتماعي والصحي والسلوكي
الأخلاقي كل ستة أشهر، وهل هم على العهد الذي تقلدوه باقون وملتزمون أم لا، وليس
ذلك من مصلحة المكفول من قريب ولا بعيد، بل قد يؤثر على شخصيته على المدى البعيد، وربما كان السبب الرئيس لتخلي الكافل عن الكفالة إذا تبين له أنه يجابه وحده
في الميدان ولا جهة تسنده في محنته، والحال أن أمر إسناد الكفالة لا يتوقف بالدرجة
الأولى على الإنفاق، ولكن المطلب الرئيسي من تشريعه هو إيجاد بيئة مستقبلة صالحة
ينعم فيها الطفل المكفول بالدفء الأسري، وألا يكون ضحية لمجتمع لا يرحم، فيلزم
أجهزة الدولة أن تكون متعاونة في هذا الباب، وتُعمِل مزيدا من المرونة مع المتطوعين
للكفالة، لاسيما وأن معضلة الأطفال المتخلى عنهم أرهقت كاهلها ماديا ومعنويا
وتشريعيا، والمشكلة أنها في تزايد مستمر نسأل الله السلامة والعافية.
وإذا ما تساءل البعض عن مدى أحقية المهاجرين (زوجة أو أبناء) في الاستفادة من التسبيقات
المالية للصندوق، فالجواب بالرجوع إلى القانون المغربي ومداره على تحقق شرط
الإقامة بالمغرب للآباء والأبناء على حد سواء، فإذا ما تحقق هذا الشرط فليس هناك
ما يمنع استفادتهم إذا استوفوا باقي الشروط والوثائق المطلوبة، وإن كان
استيفاؤها أقرب إلى المستحيل.
المحور الثاني : ملف صندوق التكافل
العائلي
يلزم الراغبات[17]
في الاستفادة أن يشفعن طلبهن بجملة من الوثائق أشارت إليها المادة 2 من المرسوم رقم 2.11.195 كما وقع تغييره بالمادة 1 من
المرسوم 1.18.249 أقتصر منها على ما يلي :
1 :: طلب
الاستفادة
وضعت وزارة
العدل رهن إشارة طالبات الاستفادة من تسبيقات الصندوق نموذجا مُعدا مسبقا[18]،
يتقدمن به بعد ملئه في نظيرين، إما إلى المحكمة المصدرة للمقرر القاضي بالإنفاق أو
إلى المحكمة المكلفة بالتنفيذ، أو التي يوجد في دائرة نفوذها موطن أو محل إقامة مقدم الطلب[19]،
وهذا يتلاءم مع ما أثرناه أعلاه من اشتراط الإقامة بالمغرب في حالة المهاجرات
وأبنائهن، أَما وأن يكون لهم تردد اعتيادي
على أرض الوطن، وغالبا ما يكون حلولا عند أهاليهم، فلا أرى ذلك كافيا للقول
باستفادتهم.
2 :: المقرر
القضائي المحدد للنفقة
إما أن يكون
حكما متعلقا بالنفقة أو بالتطليق أو رسما للطلاق، ويعطي في منطوقه لطالبي
الاستفادة زوجة أو أبناء الحق في النفقة مع الاسترسال إلى حين سقوط الفرض، ويرى
بعض الممارسين أنْ لا حاجة لاشتراط الاسترسال في مقرر النفقة لأن طالب الاستفادة إنما استحق للنفقة عن مدة
سابقة لتقديم طلب الاستفادة من تسبيقات الصندوق، فموجِب استفادته متعلق بالمدد
السابقة التي يشملها محضر تعذر التنفيذ لا بما يستقبل من الزمان، والذي أراه والله
أعلم أن الإشارة إلى عنصر الاسترسال مطلب جوهري في طلب الاستفادة، لأن حكم النفقة
ذاك الذي بحوزتها إنما قضى لها بنفقتها عن تلك المدة بناء على ظروف معينة كإهمال
الزوج عمدا أو غيابه أو عسره... والتي قد لا تكون استمرت على ما هي عليه، بل ربما
تكون نهاية المدة تلك إيذانٌ ببداية عهد جديد مع زوجها، فلا سبيل لاستمرار
استفادتها بالظروف القديمة.
ثم هل من حق المهاجرة زوجة أو مطلقة أو أبنائها الاستفادة بمقتضى حكم أجنبي مُذيَّل بالصيغة
التنفيذية ؟ يصعب بحق الملاءمة والحال هذه، لأن أغلب الدول الأجنبية التي لا تدين
بالإسلام تقوم على نظام عَلماني، يعتمد المواثيق الدولية التي تجعل مبدأ التشارك بين
الزوجين حتى في المسؤوليات المادية هو الأساس الذي تنهض عليه الأسر، كما نصت على
ذلك اتفاقية سيداو في إحدى موادها، وبالتالي فقضية تدبير البيت مردها إلى المساواة
والمشاطرة بين الزوجين في كل شيء، خلافا للتشريع الإسلامي الذي يجعل ذلك بيد الزوج
إلا إذا كان معسرا فتتحمل الزوجة بمقدار ما عجز عنه، وأيضا يتخذ الإنفاق عندهم
أشكالا عدة، ولم يعد مرتبطا بالصورة التقليدية التي عندنا المتمثلة في الأداء
الشهري لعدم جدواه وفاعليته، وإنما يُوضع أي واجب الإنفاق على شكل رساميل بمدد محترمة
لتفادي التماطل، أو تمكين مستحق النفقة من استغلال أو الانتفاع ببعض العقارات أو
المنقولات، أو حتى مشاركته في سكنى بيت الزوجية لقاء الأموال المتخلدة بذمة المدين
أي الملزم بالإنفاق حتى يستوفيها الدائن، لذلك رجحنا فيما سبق شرط الإقامة في
المغرب لتجنب الدخول في هذه الغياهب التي لا طائل من ورائها.
3 :: شهادة إثبات
العوز [20]
وذلك في حالة
عدم توفر المعنية على بطاقة المساعدة الطبية RAMED وكان لزاما على طالبات
الاستفادة استصدارها حسب القانون القديم من طرف العامل أو الوالي المخول لهما
تسليمها، وكان هذا الإجراء يطرح عدة إشكالات من بينها أن مجموعة من المحاكم
الابتدائية تتواجد في الدائرة الترابية لباشوية، مما يتعذر معه على طالبات
الاستفادة تحصيل هذه الوثيقة والتي ترفق وجوبا بشهادة عدم الخضوع للضريبة المسلمة
من طرف مصلحة الضرائب بموطن طالبة هذه الشهادة، ولا يكفي الاقتصار في ملف التكافل
العائلي على إحدى هاتين الشهادتين دون الأخرى، ولكن في ظل التعديلات الجديدة فقد
تم الاستغناء عن شهادة عدم الخضوع للضريبة والإبقاء على شهادة العوز مسلمة من طرف
السلطات المحليه بدل الولايات والعمالات، ثم من الإشكالات التي كانت تعترض طالبات
الاستفادة، كثرة المتدخلين في مسطرة الاستفادة (المحكمة، العمالة أو الولاية، مصلحة
الضرائب ...) هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما هو معيار معرفة العوز من عدمه حتى يسند
أمر التحقق منه لجهة دون أخرى ولا مزية لأحدهما على الأخرى، لذا كان من الأفضل
الأمر بإجراء خبرة من طرف المحكمة، يقوم بها مساعد اجتماعي بدل إقحام هؤلاء النساء
في دوامة المصالح الإدارية، وتعريضهن للابتزاز مقابل تسليم هته الشهادة، وأغلبهن
معوزات وأميات لا حول لهن ولا قوة إلا بالله، ولاحظ أيضا أن استصدار شهادة العوز
من طرف المقيمين خارج أرض الوطن غير ممكن إطلاقا، لأن مجرد الاطلاع أن الشخص مهاجر
بالخارج يعطي انطباعا في العرف أنه ميسور الحال ماديا، ولا سبيل لتمكينه من شهادة
العوز تلك إلا بالاحتيال أو الارتشاء.
4 :: شهادة وفاة الأم
أشارت إليها
المادة الثانية من المرسوم التنظيمي المذكور أعلاه، واعتبرتها من الوثائق التي
تؤسس لطلب الاستفادة المقدم من طرف الأبناء المستحقين للنفقة، وقد جعلها المشرع
بديلا عن شهادة إثبات عوز الأم، لأن الحالة المادية للأم مؤثرة في جميع الفئات
المستفيدة حتى ولو كانوا أبناء رشداء، فلا يكفي الإداء بما يفيد عوزهم هم أو بما
يفيد عدم عملهم أو عجزهم عن الكسب أو غير ذلك، بل تشترط المحكمة ما يفيد وضعها
المادي لأن يُسرها مانع من الاستفادة، وبمقابل شهادة الوفاة تلك، كانت تُلزَم
طالبة الاستفادة قبل تعديل القانون بالإدلاء بشهادة حياتها، وكان ذلك مبالغا فيه
نوعا ما، إذ طلبها وحضورها عند تقديمه وتتبعها له وتحصيلها لمقرر الاستفادة
وتعبئتها لطلب الصرف الذي يوجه لصندوق الإيداع والتدبير وتوقيعها فيه، كل ذلك كان دليلا
كافيا على أنها حية ترزق، وبالتالي لا داعي لإثقال كاهلها بطلب شهادة حياتها، وهذا
ما أقره المرسوم التنظيمي في المادة الثانية حيث لم يطلب الإدلاء بهذه الشهادة من
أي فئة، لكن لا تزال بعض المحاكم تطلبها درجا على ما مضى، كإجراء احترازي ليس
لتأسيس طلب الاستفادة بغية البث فيه من طرف المحكمة، ولكن لأجل الصرف من طرف صندوق
الإيداع والتدبير.
وهناك من
الممارسين من يرى أنه يكفي الاقتصار في ملف التكافل العائلي على وثيقتين اثنتين لا
غير ترفقان بالطلب وهما :
·
المحضر
المحرر من المكلف بالتنفيذ الـمُثبِت لتعذر أو تأخر التنفيذ كليا أو جزئيا، والذي
يغني عن المقرر المحدد للنفقة وكذا عن رسم الطلاق أو حكم التطليق، لأنه يضم كافة
مراجع الوثائق السالفة الذكر، ويغني أيضا عن عقود ازدياد الأطفال التي أدلت بها
المستفيدة في ملف التطليق أو النفقة.
·
وما يثبت
العوز إما بواسطة بطاقة المساعدة الطبية راميد، أو شهادة العوز مسلمة من طرف
السلطة المحلية.
وبمناسبة ذكر عقود الازدياد اشترط المرسوم التنظيمي في المادة الثانية منه
الإدلاء بنسخ موجزة من رسوم الولادة لطالبي الاستفادة من الأبناء، ومعلوم أن للبطاقة
الشخصية للحالة المدنية نفس قوة الإثبات التي للنسخة الموجزة من رسم الولادة،
وتقوم مقامها ما عدا فـي حالتين اثنتين نصت عليهما المادة 33 من القانون 37.99 المتعلق
بالحالة المدنية وهما : إثبات الجنسية المغربية وإثبات وقائع الحالة المدنية أمام
القضاء، وليسا موضع البحث والإثبات في طلبات الاستفادة من تسبيقات الصندوق
المذكور، لذلك لا داعي لإرهاق مقدمي تلك الطلبات وإلزامهم بالإدلاء بالنسخ الموجزة،
ثم ألم يكن جديرا بالاعتبار الاكتفاء بصورة من البطاقة الوطنية للتعريف بالنسبة
للرشداء والتي تغني عن النسخ الموجزة حيث جاء في المادة 7 من القانون 35.06 المحدَثة
بموجبه البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية ما يلي : ((تعفي البطاقة الوطنية
للتعريف الإلكترونية من الإدلاء برسم الولادة، وشهادة الإقامة، وشهادة الحياة
وشهادة الجنسية في جميع المساطر التي يجب فيها الإدلاء بهذه الوثائق))
5 :: محضر تعذر
أو تأخر التنفيذ
أغلب المحاضر
المنفذة في هذا الصدد بدون أداء هي محاضر "امتناع وعدم وجود ما يحجز"
وهي المعول عليها بالدرجة الأولى، لكن لا يمنع من الاستفادة الإدلاء بمحضر تحري
يشير فيه المكلف بالتنفيذ أنه انتقل مرات عدة إلى سكنى المحكوم عليه ولم يجده.. ما
يفيد تعذر التنفيذ، أما إذا تأخر التنفيذ جاز لمن يستحق الاستفادة من الصندوق أن يتقدم
بطلبه بعد انصرام أجل شهرين من تاريخ تقديم طلب تنفيذ المقرر القضائي في مواجهة
المحكوم عليه، كما نصت على ذلك المادة 5 من القانون 41.10 ويلزمه لأجل ذلك شهادة
ضبطية عن مآل ملف تنفيذي، يسلمها له كاتب الضبط المكلف بشعبة التنفيذ، لكن لماذا
يا ترى تشترط بعض المحاكم مواصلة التنفيذ وتحصيل محضر جديد؟ مع العلم أن المحضر
القديم منشئ لحق ثابت في ذمة المدين "المحكوم عليه" للدائن لا يسقط
بالتقادم، حتى وإن كان سببا في قضاء عقوبة سالبة للحرية، فإن الدَّين يبقى في ذمته
ولا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء من طرف الدائن، لكن يرى البعض أن سند اشتراط
مواصلة التنفيذ هو ما فُهم من منطوق المادة 12 من القانون 41.10 التي ألزمت
المستفيدين من التسبيق المالي موافاة رئيس المحكمة المختصة بعد انصرام كل سنتين وتجديد
الوثائق المطلوبة للاستفادة ما يعني بمفهوم المخالفة أن
الوثائق تفقد حجيتها بعد سنتين، وهو رأي له ما له من الصواب.
6 :: وثائق أخرى
لم يرد بها نص
هذه الوثائق هي
ما يثبت عدم سقوط حق الأبناء في الإنفاق عليهم وهي :
·
شواهد مدرسية
لمن يتابع دراسته بالنسبة للأبناء الرشداء الذين سنهم ما بين 18 إلى 25 سنة.
·
بالنسبة
للبنت الراشدة المنقطعة عن الدراسة يلزمها الإدلاء بما يفيد عدم زواجها لأن نفقتها
حينئذ في مال زوجها، ثم شهادة عدم العمل لأنها ما دامت عاملة فإنها قادرة على
الكسب ونفقة كل امرئ في ماله.
· الإدلاء بشهادة الإعاقة بالنسبة للمصابين بإعاقة ذهنية، لأن استمرارية الإنفاق عليهم لا
نهاية لها، هذا من الناحية النظرية، أما في الواقع فهل يستطيع فاقد الأهلية أو
المصاب بإعاقة ذهنية تحصيل حكم بالإنفاق أولا؟ لأن استحقاق النفقة في حالته مبني
على إثبات الإعاقة الذي يتطلب ملفا طبيا وخبرة ومصاريف قضائية لا قِبل لنائبه
الشرعي أو حاضنه في تحمُّلها، ولربما انقطع نفَسُه حتى قبل أن يبدأ فيترك ذلك كله، ثم
هل سيُستجاب لطلبه في الاستفادة من التسبيقات أخذا بعموم النص القانوني أم لا؟
أسئلة وأخرى تنتظر أهل الحل والعقد أن يجيبوا عنها، وإذا كانت النية من
إحداث الصندوق هي دعم الفئات الهشة لكان هؤلاء ومن شاكلهم على رأس قائمة
المستفيدين، ومعفيين من المصاريف القضائية في دعاوى النفقة وفي طلبات التنفيذ وهلُمَّ
جـرّاً.
7 :: شهادة
إدارية بعدم الاستفادة بالنفقة
بداية
لا يلزم طالبة الاستفادة الإدلاء بهذه الوثيقة ضمن الملف، إنما ذلك من اختصاص
المحكمة في شخص رئيس مصلحة كتابة الضبط، وهذا ما أكدته الرسالة التعليمية المشتركة
لوزير العدل والخازن العام للمملكة وجاء فيها: (هذا وبمجرد تقديم الطلب للمحكمة
المعنية، يتعين على رئيس كتابة الضبط القيام بما يلي :
- التحقق من عدم إيداع المبالغ المحكوم بها من أجل
النفقة من طرف المحكوم عليه بها بصندوق المحكمة
- القيام بعد التأكد من عدم أداء النفقة بتحرير شهادة
إدارية بعدم استفادة المعنيين بالأمر المحكوم لهم بالنفقة ...) [21]
لكن
من المسؤول عن تحرير الشهادة في حالة إنابة، هل هو رئيس مصلحة كتابة الضبط
المفتوح لديه ملف التنفيذ أم من توجهت إليه الإنابة قصد التنفيذ؟
ثم
إن الذي أراه أن محضر المكلف بالتنفيذ غير كافٍ لتسليم الشهادة الضبطية بل لابد من
إلزام المدين على الأداء، والرئاسة كما لا يخفى لا سلطة لها في هذا الباب إذ ذاك
من اختصاص النيابة العامة، إذن يلزم من ترغب في الاستفادة من التسبيقات المالية
لصندوق التكافل العائلي أن تسلك أولا مسطرة إهمال الأسرة، [ ومما أثار انتباهي ضمن
حالات إجراءات استرجاع المبالغ المؤداة غير المستحقة (حالة وفاء الملزم بالنفقة
بالمبالغ المستحقة عليه بطريقة تلقائية عن طريق دفعها لصندوق المحكمة المعنية، أو
بعد سلوك مسطرة إهمال الأسرة في حقه ...)[22] ]، فلم لا تُسلك هذه المسطرة ابتداء قبل وضع ملف
الاستفادة، والمشهود بالتجريب أن المحكوم عليه عندما يخير بين أمرين أحلاهما مر
إما الأداء أو الاعتقال، يُؤْثر الأول على الثاني في الغالب إلا إذا كان معسرا
حقيقة، وحتى لو كان كذلك فبمجرد علم أقاربه بحاله فإنهم يسترخصون الغالي فداءَ أن
لا يتقحّم السجن، فترى الأموال تنْسِل من كل حدب وصوب، وإن اقتضى
الأمر إعالته وأسرته لمدة في انتظار إيجاد حل فلن يترددوا، وما أكثر الذين امتنعوا
عن الأداء أو تحجّجوا بالعسر أو عدم وجود ما يحجز ابتداء أمام المكلف بالتنفيذ،
فلما عاينوا مآل شكاية إهمال الأسرة أدّوا ما عليهم، إذن فمن كان هذا فعله فلا اعتبار لكرامته، وطبعا سوف تتقاطر الانتقادات بضرورة
إلغاء الإكراه البدني عند عجز المدين عن الوفاء لسمو الاتفاقيات الدولية على
القانون الداخلي[23]،
لكن أُجيبَ عن هذا بأن الإكراه البدني إنما هو في حق المدين في حالة امتناعه عن
الأداء، وليس في حالة عدم استطاعته له[24].
ولا
أدَل على صنيعٍ كهذا من قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (يزَع
الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، وما هذا إلا لتتأكد المحكمة من كونه من ذوي
الأعذار الذين تنسحب عليهم المادة 202 من مدونة الأسرة، وهذا نص ما جاء فيها (كل
توقف ممن تجب عليه نفقة الأولاد عن الأداء لمدة أقصاها شهر دون عذر مقبول، تطبق
عليه أحكام إهمال الأسرة)، فإذا ما قال قائل : أن في هذا تمديد للمسطرة وتأخير
للاستفادة من تسبيقات الصندوق، أقول : إن الموارد التي يعتمدها الصندوق شحيحة،
وإن لم تُعقلن منافذ صرفها بشكل رشيد فلن تكتب له الاستمرارية، ضف
لذلك أن جزءا مهمّاً من موارده إنما يخرج من جيوب المواطنين والذين لا يرضون أن تكون أموالهم وقفا لهذه
الصنف من الناس، قال تعالى { وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً } سورة النساء الآية 5.
هذا ونُنبِّه أن الطلب يُبث فيه داخل أجل ثمانية أيام، ويُنفذ المقرر على
الأصل دون الحاجة إلى تبليغه[25]، ويُـحصر
المبلغ في حدود قيمة المقرر القضائي المحدد للنفقة المحكوم بها، على أن لا تتجاوز
قيمة التسبيقات الواجب صرفها في المجموع 1400 درهم شهريا في حالة زوجية قائمة،
و1050 درهم في حالة طلاق، وعلى ألا يتجاوز التسبيق المأمور بصرفه مبلغ 350 درهم
للشخص الواحد[26].
وختاما يسعنا القول أنه إذا كانت الممارسة الفعلية لأي شيء في أي مجال هي
وحدها الكفيلة بتعرية ثغراته، فقد تبين بجلاء للمهتمين الفراغ التشريعي في سَنِّ
بعض النصوص الهامة كإقصاء بعض الفئات التي هي أولى بالاستفادة وكذا الرفع من قيمة
التسبيقات، وكذلك القصور في تنزيل بعض المضامين التي لا زلت لم تتضح معالمها إلى
الآن، كإيجاد مسطرة فعالة وناجعة لإلزام المحكوم عليه بسداد ما بذمته، وأخرى لاسترجاع
المبالغ المحكوم بصرفها دون وجه حق، مما يستدعي إعادة إغنائه وإثرائه مجددا، وليس
هذا تبخيسا لما تأتى من مراجعته التي تمثلت في إعداد القانون 83.17 والمرسوم
التطبيقي والتي تجاوزت إلى حد ما الصعوبات وبسطت الإجراءات ووسعت دائرة الاستفادة،
لكنها وحسب نظري المتواضع أغفلت نقطا يسيرة وأقحمت أخرى حشواً، وقد أشرت إلى بعضها والتي
ربما تكون محطَّ نظرٍ واستدراكِ محاولات تشريعية مستقبلية، وعذرا إن قصَّرت وعفوا
إن أطَلْت، فما أردت إلا الخير ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
[1] تم إحلال عبارة "التسبيقات المالية"
بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 83.17 محل عبارة "المخصصات
المالية"، التي كانت واردة في المادة الأولى من القانون رقم 41.10
[3] وهو أجل استنهاضي تحفيزي
لحث القضاة ليس أكثر، حيث يتعذر في الغالب احترام هذا الأجل خصوصا مع إشكالية
التبليغ واحترام الآجال القانونية التي تختلف بحسب الدوائر القضائية ...إلخ.
[10] أنظر نموذج شهادة التصريح
بالشرف في ص 58 من دليل الاستفادة من صندوق التكافل العائلي على رابط التحميل
أدناه
[11] إنما أعبر بالطلاق وأقصد به التطليق في الغالب من
باب إطلاق العموم وإرادة الخصوص، ولا أقصد معناه الحكمي أي المأذون في توثيقه لدى
عدلين كالطلاق الرجعي والاتفاقي...
[14] خول القانون 41.10 منح الإذن بالتقاضي للقاصر لرئيس
المحكمة المختصة بالبث في طلبات الاستفادة أو من ينوب عنه، ولعل نائبه في الغالب
هو قاضي شؤون القاصرين لطبيعة المسطرة
[17] معلوم أن المستفيد ليس دائما إمرأة (زوجة أو مطلقة) بل قد يكون
طفلا أو راشدا، وإنما تجاوزا نضيف الاستفادة للمرأة تنزيلا للغالب منزلة الفريد،
لأنها إما أن تستفيد أصالة عن نفسها إذا كانت زوجة أو نيابة عن أبنائها.. القاصرين
بقوة القانون أو الرشداء بمقتضى وكالة.
[21] الرسالة التعليمية
رقم 15/2012 بتاريخ 28 ماي 2012 حول تدبير
العمليات المالية والمحاسبية لصندوق التكافل العائلي.
[23] الفصل 11 من ميثاق الأمم المتحدة " معاهدة نيويورك "
المؤرخ بـ 16-12-1966 المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والمصادق عليه في المغرب
بتاريخ 18-11-1979، منشور بالجريدة الرسمية عدد 3225 وتاريخ 21-05-1980، والذي
يقضي ( بعدم جواز سجن إنسان بسبب عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي ) .
رموز انفعاليةEmoticon