باحث في سوسيولوجيا
القانون
منذ الإعلان عن حالة الطوارئ في 19 مارس 2020 وسن بعض الإجراءات
الاحترازية والزجرية المصاحبة لها، في محاولة لمحاصرة الوباء وفرض امتثال
المواطنين، طفت على السطح مجموعة من التصرفات والسلوكات غير المحسوبة والتي
أودت بأصحابها إلى المحاكمة، ورغم أن القانون الجنائي ينظم جريمة العصيان حيث
نص الفصل 300 منه على أن : ((كل
هجوم أو مقاومة، بواسطة العنف أو الإيذاء ضد موظفي أو ممثلي السلطة العامة
القائمين بتنفيذ الأوامر أو القرارات الصادرة من تلك السلطة أو القائمين بتنفيذ
القوانين أو النظم أو أحكام القضاء أو قراراته أو الأوامر القضائية يعتبر عصيانا،
والتهديد بالعنف يعتبر مماثلا للعنف نفسه...))، قلت فرغم ذلك إلا أن المرسوم
بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات
الإعلان عنها، أبى إلا أن ينص على جريمة مخالفة حالة الطوارئ الصحية كجريمة مستقلة
الأركان عن غيرها من الجرائم، وبأحكام خاصة - يكتب الأستاذ شريف الغيام لجريدة
هسبريس – ويضيف أن هذا التنصيص لا يمكن أن يُحمل على كون المنظومة الجنائية غير
كافية للتصدي لمثل هاته الجرائم بقدر ما هو تتميم تشريعي لفعل كان بالأمس القريب
حقا، فأضحى في فترة الطوارئ المعلن عنها جريمة.
نفتح قوسا اخر ويتعلق
الأمر باعتبار جنحة السرقة جناية لكن وقبل الخوض في هذا الموضوع دعونا نلقي نظرة
أولا حول أساسيات التكييف القضائي، طبعا لا يختلف اثنان أنه عملية اجتهادية من
اختصاص القاضي من خلال النظر في النازلة الواقعية ورصد كل المؤثرات التي تحكمها من
أجل تنزيل الحكم المناسب عليها للارتقاء بهذا الواقع مما هو عليه إلى ما ينبغي أن
يكون عليه، فليس معنى التكييف تفسير النص القانوني، ولكن معناه بالأحرى تفسير
الواقع محل تطبيق هذا النص القانوني أي تنزيل الحكم المستخلص على المحل مع مراعاة
الظروف، وبالتالي فلا ينبغي أن ينصرف التكييف إلى خلق منصوص جديد ليشمله مجال
تطبيق النص، ويزداد الاحتياط أكثر عندما يتعلق الأمر بالقاضي الجنائي، نرجع إلى
ابتدائية القنيطرة التي قضت بعدم الاختصاص النوعي عندما اعتبرت أن ارتكاب جنحة
السرقة خلال حالة الطوارئ يعد جناية، يرجع البث فيها لمحكمة الاستئناف، لكن انقسمت
وجهات نظر فقهاء القانون والعمل القضائي بخصوص التوسع في فهم الفصل 510 من القانون
الجنائي بين مؤيد ومعارض، نجد في طليعة المؤيدين
مسؤولو النيابات العامة حيث نشرت جريدة الصباح الإلكترونية استنادا الى مصادرها أن
عددا من مسؤولي النيابات العامة بمحاكم
المملكة سارعوا إلى تفعيل مقتضيات جنائية
تجعل جميع السرقات ظرف تشديد وتعتبر جناية وتصل العقوبة في حق مقترفيها حتى عشر
سنوات سجنا نافذا، يُذكر أن ابتدائية القنيطرة عللت حكمها بكون السرقة ناتجة عن التهديد العام لحياة الأشخاص وسلامتهم
جراء انتشار جائحة فيروس كورونا ، الشيء
الذي يعد كارثة يقتضي إعمال ظروف التشديد، ومن بين الظروف التي ترتقي فيها جنحة
السرقة إلى جناية، حسب الفصل المذكور، أن يقترن ارتكابها وأوقات الحريق الانفجار
الانهدام الفيضان الغرق الثورة التمرد أو أي كارثة أخرى... لكن من المعارضين نجد الاستاذ
عثمان عبيد، عضو نادي قضاة المغرب، يتبنى طرحا مخالفا للتوجّه الذي سارت عليه
المحكمة مصدرة الحكم المذكور، حيث رد في مقال له نشرته هسبريس على اعتبار المحكمة
حالة الطوارئ كارثة قائلا : ((أن المغرب لا يعيش وضعية الكارثة بقدر ما يعيش
وضعيةَ تفادي وقوعها))، وناقش مصطلح الكارثة الذي يبدو أكثر وضوحا في النسخة
الفرنسية لنص القانون الجنائي، حيث ورد في أكثر من موضع وفي كل مرة يختلف المعنى
بين الكارثة الطبيعة calamité والاضطراب trouble والحادث الذي يطغى عليه العامل البشري وليس الطبيعي Sinistre ، ثم بعد ذلك يورد تعريفا فاصلا للكارثة وهو المذكور بالقانون رقم
110.14 المتعلق بإحداث نظام لتغطية الوقائع الكارثية ، حيث أشارت المادة 3 منه أن مفهوم
الكارثة الطبيعية ينصب على وقوع حادث طبيعي فجائي وغير متوقع يؤدي إلى حدوث أضرار
جسيمة وأن تكون له آثار مدمرة تشكل خطورة شديدة على المواطنين، ولا تستطيع
التدابير الاعتيادية المتخذة تفاديه، أو أنه يصبح من المتعذر عند وقوعه اتخاذ هذه
التدابير.
من الذين عارضوا
توجه محكمة القنيطرة الأستاذ هشام بابا في مقال له بموقع العمق الإلكتروني ناقش
فيه عدم صوابية الحكم معتبرا أنه لا يدخل ضمن السلطة التقديرية للقاضي الجنائي
مسألة التجريم، استنادا إلى مبدأ الشرعية الجنائية أي لا تجريم ولا عقاب إلا بنص،
كذلك يبطل القياس مع وجود الفارق مشيرا أن القاضي الجنائي مقيد بعدم التوسع في
تفسير النص الجنائي، وما يراه الأستاذ هاهنا يجد سنده في العمل القضائي المغربي،
وتحديدا محكمة النقض التي ذهبت في القرار رقم 14 الصادر في الملف الجنائي عدد 14251/6/5/2014
إلى أن (سلطة غرفة الجنايات في التكييف القانوني للأفعال المحالة عليها يجب أن
تستند إلى الجزم واليقين، وذلك عندما قضت بنقض وإبطال الحكم المطعون فيه حيث أعادت
المحكمة مصدرته تكييف نازلته لما قضت بإدانة المتهم بجناية الإيذاء العمدي ضد أحد
الأصول بدل جناية القتل العمد لأحد الأصول، لتخلص محكمة النقض إلى أنه لئن كان يجب
على غرفة الجنايات أن تكيف قانونيا الأفعال المحالة عليها، وأن تطبق عليها النصوص
المتلائمة مع نتيجة بحث القضية بالجلسة، فإنه يتعين عليها أن تستند في ذلك إلى
أدلة تؤدي واقعا وقانونا وعلى سبيل الجزم واليقين إلى قيام عناصر الجريمة طبقا
للوصف الجديد الذي انتهت إليه)، ثم يخلص الأستاذ في المقال إلى أنه وعلى فرض أن
وباء كورونا من الكوارث فالقاضي الجنائي
ملزم بالتجريم والمعاقبة على الأفعال التي تم النص عليها صراحة وليس من بينها
الأوبئة؟ ثم من جهة أخرى يقول أن النص الغامض يفسر لصالح المتهم.
رابط يوتوب :
رموز انفعاليةEmoticon