همسات في الإصلاح بين الزوجين
بقلم : ذ.محمد العبدلاوي
مســاعد اجتـماعي
أيها القارئ الكريم، كثيرة هي المواقف التي تجد فيها نفسك
ملزما بالتدخل بين طرفين متنازعين لتقريب وجهات نظرهما وغالبا ما يكون ذلك بين
الزوجين، وتزداد الحاجة لفهم الأمور إذا كنت فعلا متصدرا لمهمة الإصلاح، لذا سأنقل لك جانبا مما يلزمك أن تتحلى به لتُنجح أي اتصال
تُجريه، وأول ما يجب عليك أن تفهمه هو أن الاتصال الناجح نتاج مراكمة الخبرة
بالأساس لكن لا يمنع من تتبع المعرفة النظرية التي ستمكنك بلا شك من تذليل الصعاب من خلال التمرن في كل مناسبة، مستحضرا في ذهنك كل جديد درسته، ويلزمك كذلك إخلاء
الذهن من الحكم على النفس بالفشل المسبق
وعقد العزيمة لإنجاح الأمر.
غالبا ما يثار الجدل الكلاسيكي
حول ضرورة التعامل مع الموضوع بصرف النظر عن الذات، وبصرف النظر كذلك عن طريقة إلقاء
الموضوع، حسنا دعك من عبارات الإنشاء هذه، ولتعلم أن الحقيقة التي لا غبار عليها
أن الانجراف خلف الذات وإطلاق الأحكام المسبقة لا يكاد يسلم منه أحد، وكل من زعم
في نفسه خلاف هذا فقد غيَّب الحقيقة، وأغلب من درسته على أيديهم لا شك مفقود فيهم،
فِعلا هذا مؤسف ولكنه الواقع، وترتبط الموضوعية بالتجرد ارتباطا وثيقا لتداخل
بعضهما ببعض، فالتجرد هو التزام الحياد دون تحيز لأحد الأطراف، وقد حاولت شخصيا
إلزام نفسي بالتجرد لا سيما عند مباشرة مهمة إصلاح ذات البين، لكن بصدق كنت أفشل
في كل مرة، وكنت أجد نفسي أميل لأحد الأطراف (صادقا كان أو كاذبا ليست هذه هي القصة) طبعاً لم أكن أبدي تعاطفا معه، فمهما يكن أخلاقيات المهنة فوق كل اعتبار،
حاولت أن أجد تفسيرا يشفي العليل لما يحدث معي، فوجدت ضالتي في المطالعة الحرة
التي أعتبرها غذاء الروح، قرأت كتبا ومقالات عدة في مواضيع كانت تشغل اهتمامي إلى
أقصى حد كالتواصل ولغة الجسد وكيفية التأثير في الآخرين، بل وحتى عن طريقة عمل
الدماغ وغير ذلك من المواضيع ذات الصلة، وللإشارة فأغلب مادة هذا الموضوع مستوحاة منها، ولا حظ لي فيه إلا الجمع والتنسيق، ومما وقفت عليه أن السر وراء عدم التجرد
هو أن لكل إنسان عقلان : ظاهري ويسمى الواعي وباطني ويسمى اللاواعي، لا أشك أنك
سمعت بهذا من قبل، لكن تمهل واقرأ ما علاقة ذاك بموضوعنا، فالأول يميل إلى التدقيق
والتحقيق والتجريد والحساب واستشعار العواقب قبل اتخاذ القرار... بينما ينجرف
العقل الباطني وراء إشباع اللذة عند أدنى مهيج بغض النظر عن كونها مشروعة أو
مممنوعة والتأثر بالعاطفة واتخاذ القرار بفورية تحت تأثير الضغط ودون التأمل في :
لِـمَ ؟ وكيف ؟ مثال على ذلك الذي ابتُلي بعادة سيئة يخفيها عن الآخرين.. لن يردعه عنها في لحظة هَـمِّه
بفعلها أيُّ شيء إلا الخوف من افتضاح أمره، لقد أقدم عليها باللاوعي، كذلك الذي
تنحى عن مسار سيارة مسرعة كانت تتجه نحوه، إنما فعل ذلك باللاوعي تشبثا بالحياة،
تلك الغريزة المفطورة في كل كائن حي... ولعلك تتساءل ما علاقة هذا بما تطرقنا
إليه؟ وكيف يؤثر في عدم التزام التجرد؟ فلندلل إذن بمثال بسيط، تخيل أنك تجلس لأول
مرة أمام مديرك بعد التحاقك للتو للعمل في شركته، طبعا لم يسبق لك أن أخبرك أحد عن
شخصيته ولا عن ميولاته... ولاحظ أن كلاكما لا زال لم يتفوه بكلمة، وبينما تسترق
إليه النظرات، فإن عقلك اللاواعي قام بالعديد من العمليات المعقدة في ظرف وجيز
للغاية قد لا يعدو لمح البصر، تصب هته العمليات في محاولة إيجاد شبيه له في
الذاكرة انطلاقا من مقارنة بعض السمات كالمظهر الخارجي، الهندام، بل وحتى الصفات
الخِلقية، لينتهي بك المطاف وقد صنفته في إحدى الخانات لديك، وأسقطت عليه صفات
شخصية سبق لك وأن تعاملت معها وتحتفظ بمواقفها معك في ذاكرتك، هذا كل ما في الأمر،
فتذكر دائما أن العقل الباطن وخلافا للعقل الواعي لا يفكر وإنما يعايش حسب ما
توصل إليه المتخصصون، إذن إطلاق الأحكام المسبقة أمر عادٍ جدا لكن الذي ليس بالعادي
هو الكبر والمعاندة والتمادي على نفس الانطباع الأول بعد أن يظهر لك العكس، بل
وأكثر من ذلك محاولة إلصاق صفات الغير بالشخص الذي أمامك حتى وإن كان بريئا منها.
حسناً، ينبغي على من تصدر
للإصلاح كذلك أن يتجمل بخصال يختلط ويرتبط بعضها ببعض إلا أنني سأذللها لك عزيزي
القارئ، وسأحاول سردها بتسلسل متين وبطريقة ارتجالية مسترسلة دون عوارض لأضمن عدم
انقطاع الأفكار.
أقول : كم كنت غبيا حينما
اعتقدت أنه يكفيني المؤهل الدراسي لأن أصبح مصلحاً ناجحاً، أيقنت مع مضي سنوات
الممارسة المهنية أن الخبرة هي العامل المحوري في القضية، الخبرة هي التي تصنع
الفرق بينك وبين غيرك، الخبرة وحدها هي التي تَسِمُك بطابع التميّز عن الآخرين،
وليست الخبرة تكرار نفس العمل بنفس المنهجية كل مرة مع انتظار الحصول على كفايات
أكثر ونتائج أفضل، هذا قرين الغباء إذْ لن تكون خبيرا في غياب البحث الحثيث
والمستمر عن تنمية الذات وتعزيز المكتسبات، من خلال دورات تكوينية تتلقى فيها شتى
المعارف التي تشكل روافد تفتقر إليها في عملك، ومن ثم تطبيق ما تعلمته على الحالات
التي تعرض لك يوميا، وهكذا شيئا فشيئا تتوسع هالة الخبرة حتى تعقد عليك الخناصر ولا يذكر في المجال سواك.
ثم إن من العسير جدا حث
الناس المتنازعين على الصلح وأنت لم تبرح شكليات الموضوع التي صرح بها كلا
الطرفان، ستخفق لا محالة في تحقيق نتائج مرضية إذا لم تستحث دواخلهم التي يتحرجون
من إبدائها لأي كان، فيما يلي سأطلعك على بعض الآليات إن التزمتها تستطيع بها
إنجاح الأمر، وكل شيء مبني على مد جسور الثقة بينكما، فإن لم تكن محل ثقة في
أعينهم أو لم تُجهِد نفسك لتحقيق ذلك فلا تنتظر منهم المزيد، لأن قلوب الخلق جُبلت
على الاطمئنان والأنس بأولئك الذين وجهوا حياتهم لمساعدة غيرهم، أولئك الذين يعطون
أكثر مما يأخذون، لأن الناس بالطبيعة تميل إلى التكتم، ولا تنتظر من شخص أن يبوح لك
بخصوصياته التي لم يسبق له أن أطلع عليها أحدا لمجرد أنك تبسمت في وجهه أو دعوته لاحتساء فنجان
من القهوة أو ما شابه، يلزمك أن تجعله يثق فيك بعد أن تظهر له جانبا كبيرا من
الاهتمام بقضيته، الاهتمام الحقيقي لا المصطنع، لأنه ولأنهم أذكياء على كل حال
ولهم مقدرة عجيبة على كشف من يمثل عليهم، ومما يساعدك على كسب رهان الثقة -التي
تبنى ولا تعطى- إسداء صنائع المعروف دون انتظار المقابل، أعط أكثر مما طلب منك،
زيادة على ذلك لا تستبق الأحداث بأن تستعجل الشيء قبل أوانه فتعاقب بحرمانه، حاول
بطريقة أو بأخرى أن يفهم الأطراف أن من مصلحتهم هم البوح الذي أنت في غنىً عنه،
حاول أن تجعلهم يقتنعون بأن دورك لا يعدو مساعدتهم على اتخاذ القرار الصائب، غير
مستشرف ولا متطلع لما سوى ذلك، ستستطيع إيجاد الرسالة المناسبة التي تعينك على ذلك
انطلاقا من ظروف الحالة موضوع البحث فلكل مقام مقال، وتجنب أن تجعل من ضيق وقتك
سلاحا ضدك، امنح الوقت الكافي للأطراف محل النزاع لاستفراغ ما لديهم، هذا في حالة
خلاف عميق، أما إذا كان في بوادره أي قبل التقاضي فعلى العكس من ذلك، لا تمنح
الأطراف فرصة للتوسع في الجزئيات لأن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقول المثل
الإنجليزي، بل هناك من بالغ وجعل حصة كل طرف في الحديث لا يجب أن تتعدى 30 ثانية
بالتناوب، وإياك والتدوين أثناء الاستماع لأن ما اكتشفته أن الأطراف يطمئنون
ويتجاوبون بعفوية وتلقائية إذا رأوك قد أزحت معدات الكتابة جانبا، وأقبلت عليهم
بكلك لا بعضك، فإذا ظفرت من أحدهم ببغيتك فلا تصفعه به مباشرة إذ لستما في جلسة
استنطاق ولكن أمهله ثم استدرجه إليه ثم غلفه بأن تقدم له بكلام تُــعَـــرِّض فيه
بما ظفرت به ثم ألقه له كأنه تحصيل حاصل وابْنِ عليه بعد ذلك، مثال : عندما تكون
أمام حالة اعتداء زوج على زوجته بالضرب مع إنكاره ذلك، ولكي تحرز تقدما في الصلح
بينهما عليك أن تستخلص منه اعترفا بذلك، لتكون على بينة من السبل الملائمة في
الإصلاح بينهما، فإذا أنكر قل له : (لا شك أن الرجل يكون في بعض الأحيان في مزاج
سيء ولا يقبل أحدا أن يناقشه حتى ولو كانت زوجته، لكن المسكينة لا تقدِّر هذا
فتأتي إليه في أسوأ أحواله لتناقشه في مسألة، وأمام إلحاحه عليها بتأجيل الموضوع
يزداد تمسكها ببسط النقاش، فما يكون من الزوج إلا أن يثور تحت وطأة الغضب المغلِق ويعمد إلى ضربها أو يقول كلاما يتنقصها به...) بعد إنهائك هذه العبارة أو مثلها حسب المقام
والأحوال وطبيعة الأشخاص... سيقول فعلا هذا ما حدث، والذي دفعه للاعتراف أنك عذرته
وجعلت له في ثنايا حديثك قسطا من التبرير لموقفه، وما هو إلا استدراج ليس إلا.
وتأكد أنك عند استماعك
للأطراف فإنك تستطيع الجزم أيهما يصدق وأيهما يكذب، ولكن لا يحملنك هذا أن تقف
موقف العداء أو المواجهة مع الطرف الذي غلب على ظنك أنه كاذب أو ظالم أو غير
جِدِّي، بل حاور برفق وحكمة وحاول أن تجد بينك وبينه أرضية مشتركة كي يقبل منك فيما
بعد كل ما تعرضه عليه، ولن تضطر بعدئذ إلى إعادة نفس السيناريو معه لأنه لعق الطعم
وصار طوع بنانك، خذ مثالا على ذلك حيث أن الناس تستاء من سماع النصيحة لاسيما إذا
كانت أمام الملأ، فالمسايسة المتوجة بالقيادة أنفع في تقويم السلوك الخاطئ من
الصدام والمواجهة، وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بين الخطاب رضي الله
عنه لما رآه يزاحم لأجل استلام الحجر الأسود، قال له ((يا عمر إني أحبك، فلا تزاحم
على الحجر)) فتخيل معي لو أن الخطاب مجردا
من عبارة إني أحبك، هذا ما أود أن أسميه بضخ الرصيد العاطفي قبل أي توجيه أو نصح،
ومثله أيضا قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه علمني خليلي -يقصد النبي صلى الله
عليه وسلم - دعاء النوم وكفي بين كفيه، فانظر إلى هذا الموقف الرائع البديع في شحن
الرصيد العاطفي، مسألة أخرى لا تقل أهمية وهي التحدث بصيغة الـ "نحن"
بدل المخاطب "أنتم" عند التوجيه، كأن تقول ((يلزمنا الكثير حتى نتعلم
أبجديات حسن المعاشرة الزوجية، عوض قولك يلزمك أو يلزمكم...))، وتحرَّ التشابه مع
الأطراف ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فلا تُناسق الهندام أكثر من اللازم ولا تفْرِط في
وضع العطور الفواحة، حاول أن تظهر بنفس المركز الاجتماعي وكذا المادي للأطراف أو
فوقه بقليل كي لا يحتقروك وتسقط في أعينهم فتخسر النزال قبل أن يبدأ، لأنك على العموم مثال يحتذى به، لا تفَـرِّط ولا تفْرِط لأن من شأن استعراضك هته الجوانب في هته
الظروف ألا يزيدك من الأطراف إلا بعداً.
قد تعترضك أحيانا مشكلة
الكتمان عندما يفضل الأطراف ألا يُكشف المشكل ضمانا للسرية، فضع في حسبانهم أن الخوف
من الخسارة محفز أكبر من احتمال المكسب، فعند مناقشة لب الموضوع مع الأطراف
المتنازعة حاول أن تجعل كلا منهم ينشغل مع ذاته بإجراء مقارنة بين إيجابيات وسلبيات
ما هو مقدم عليه، وبلا شك سيرجح كفة السلبيات وهنا يأتي دورك كي تضعه في الوضع
الصحيح من خلال :
- دعوته لتجنب تضخيم المشكل : من خلال استعراض المشاكل
العويصة التي يتخبط فيه غيره
- عدم إغفال المساوئ الناتجة : غالبا عند إجراء مقارنة من
هذا النوع تلتبس علينا الأمور وتخدعنا عقولنا وبالتالي لا نتحرَّ الأمانة في ذلك،
فدورك أيها المصلح أن تضع يديك على ما تعمد إخفاءه الطرف المعني قال تعالى : {ولا
تنسوا الفضل بينكم}.
- الخطأ في تقدير الإيجابيات بشكل جيد : نفس الشيء الذي
قيل قبلُ، وذلك نتيجة الضباب الذي يلف التفكير وقديما قالوا لا تتخذ موقفا وأنت في
حالة غضب.
-
الاستشهاد ببعض النماذج لأخذ العبرة
وهكذا حتى يغلب على خاطره
أن في الاستمرار خسارة عظمى بالمقارنة مع التراجع، حتى وإن كان يرى في الاستمرار
مكسبا لكن دورك أن تظهر له أنه مكسب محتمل إلى جانب الخسارة المحققة، الشيء الذي يكون دافعا له على
قبول الصلح، ثم تحرَّ في سرعة حديثك الوسطية لا رَيْثٌ ولا عجل، لأن الحديث بشكل
ارتجالي في موضوع معين يتطلب قدرا هائلا من التركيز لأجل استدعاء المعلومات
المخزنة في الذاكرة وإسقاطها على الأحداث والمواقف التي طرأت أمامك، وزيادة مستوى
السرعة قد يبعثر أوراقك ويضطرك إلى التلعثم والاستذكار في كل مرة وهذا ينقص من
قيمتك، كذلك التحدث ببطء شديد ليس دائما دليلا على الهدوء ورزانة العقل ورباطة
الجأش كما يعتقد البعض، بل قد يكون مدعاة إلى الملل والسآمة، خصوصا إذا كان سببا
في تكسير إيقاع الحديث، الشيء الذي يوقِعُك في التخلف عن مسايرة الأطراف، ثم إن
للُغة الجسد تأثيرا رهيبا في الأطراف حتى ولو لم تتفوه بكلمة، مثال ذلك ما كان يفعله
صلى الله عليه وسلم إذا ناداه أحدهم وأراد أن يلتفت لا يلتفت برأسه فقط أو بعينيه
كما يفعل الواحد منا بل كان يلتفت جميعا أي بوجهه وصدره... وهذه الحركة تأسر
المخاطب ولها فعالية بالغة في التواصل.
ومن الأمور كذلك التي تعينك
على فهم الآخر والتأثير فيه بشكل أفضل "استبدال المواقع" بأن تضع نفسك
في مكانه وتتأثر بمحيطه وظروفه لتستوعب طريقة تفكيره، واحذر أن تدعوه ليضع هو نفسه في
مكانك مهما كانت مشكلتك بالمقارنة مع التي لديه، أو أن تكثر الحديث عن نفسك، لكن بالمقابل
اجعل من تصرفاتك هاديا ودليلا وترجمانا لشخصيتك، واستبدال المواقع سيسهل عليك فيما
بعد إقناعه لأنك أحطت بوجهة نظره ووضعتها في حسبانك في خضم منقاشته، لا سيما إذا
أحس الطرف أنك تماهيت معه وتُكَمِّل عباراته وأفكاره التي يحتج بها، فلا تكفي طأطأة الرأس ولا
عبارة "فهمت قصدك" بدون استصحاب
ما أشرنا إليه.
عزيزي المصلح : دع الحل
يأتي من الأطراف : ((قال فما جزاؤه إن كنتم كاذبين)) فإذا حكم الأطراف على أنفسهم
بشيء كان ذلك أدعى للامتثال، من أن تحملهم على شيء.. نعم قد يقبلوه ولكن مكرهين أو
مستحيين ثم سرعان ما سيتخلوا عنه.
لا تكن إمعة كأبي حسل فهل
تعلم من يكون أبا حسل؟ أبو حسل هو الضب (( إذ يحكى أن أرنبة كان بيدها ثمرة فاكهة
فهمت أن تأكلها فخطفها الديك منها فأكلها، قالت لابد أن نختصم، قال اختاري من شئت
فاختارت الضب حكما، ذهبا إلى جحره ونادياه، فخرج إليهما وقال سميعا دعوتما، قالت
الأرنب جئت أنا وهذا نختصم إليك، قال نعم في بيتي يؤتى الحكم، قالت فهممت أن آكلها
فخطفها هذا مني فأكلها، قال ما يبغي إلا الخير، قالت فلطمته، قال بحقك أخذتِ، قالت
فلطمني قال حر انتصر، قالت فاقض بيننا، قال قد قضيت.)) فهل هذا حل القضية؟ إنما
أرضى الطرفين على حساب بعضهما البعض، ولم يضع يده على شيء من صلب الخلاف، فعلا
يوجد كثير من تصدروا للإصلاح على شاكلة أبي حسل، نعم مثل أولئك الذين يدعون المرأة
للصبر حتى وإن كانت مظلومة مقهورة وإلزامها لوحدها مسؤولية الاستمرار لأنها العنصر
الضعيف في المعادلة، خصوصا إذا لم تكن مستقلة ماديا أو لم يكن لها أهل يسندوها
ويحتضنوها بعد الفراق.
وعلى المصلح أن يكون
على دراية تامة بحجم المشكلة ومدركا لأبعادها وشعابها المتداخلة، ولا يتم ذلك إلا
بالاستماع العميق لطرفي النزاع لأجل استجماع كافة البيانات في هذا الشأن، ويجب كذلك
أن يكون مؤهلا في نفسه أولا، لا أن يتعلم في الناس سبيله الارتجال والتجربة فهذا
يغلب خطؤه صوابه من دون شك، ومن الأخطاء في عملية الصلح وبها نختم بحول الله، أنه
يوجد الكثير من بين المتخاصمين من هم أنفسهم يؤملون الصلح لكنهم لا يسعون إليه، إما
لكبر أو معاندة وكل طرف ينتظر المبادرة من الآخر، أو يسعون إليه ولكن يتمسك
أحدهما بحقة ((ماديا أو معنويا)) ويرفض الآخر رد مظلمته أو الاعتذار إليه... والذي
ينبغي أن يفهم أن الصلح إنهاء خصومة أما التنازل فهو تخلٍّ عن حق، وإنما وقع الخلط
بينهما بسبب بعض الممارسات الخاطئة لبعض من يباشر الصلح حيث يوهم صاحب الحق أنه هو
من يعرقل العملية الصلحية إذا ما بقي متشبثا بحقه، والذي يجب أن يعلم أن الصلح محمود
ولكنه ليس واجبا والطلاق مذموم لكنه ليس حراما وليس أبغض الحلال كما هو شائع فلا
يوجد حلال يبغضه الله، ولكن رد المظالم واجب وضمان الحقوق حق، والحق أحق يُـتَّبع...
رموز انفعاليةEmoticon