المرأة والرجل تكامل لا تماثل
بقلم : ذ.محمد العبدلاوي
باحث في قضايا الأسرة
لا يمكن إنكار الفروق الجمة بين كلي الجنسين، ولا
يمكن تسوية الحُوين المنوي عند الذكر بالبويضة عند الأنثى، ثم لا يمكن إنكار
البنية الفيزيولوجية للمرأة ومخالفتها المطلقة لبنية الرجل العضوية، وبالتالي لا
يمكن التسليم بالمساواة بينهما دون مراعاة لخصوصية كل منهما وإلا لكان خلقهما الله
جنسا واحدا ولم يكن ليعجزه ذلك سبحانه، فلما اقتضى أمره وسبق في علمه سبحانه أن
يخلقهما ذكرا وأنثى فلحكمة أرادها يستحق الحمد على اقتضائها يعلمها الأولياء ويتوه
عنها الأشقياء، والحكمة أن لكل خلق هيأته المنسجمة مع الأدوار التي ستسند إليه في
الحياة، وفضل الله الرجال على النساء تفضيل تكليف لا تشريف فقال تعالى }
الرجال قوامون على النساء بما فضل
الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم { وجعل لهم عليهن درجة قال تعالى
}
ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف
وللرجال عليهن درجة {، وليس في ذلك قدح في أحدهما على حساب الآخر ومعيار التفاضل بين
الخلق جميعا ذكرانا كانوا أو إناثا إنما هو التقوى قال سبحانه }
إن أكرمكم عند الله أتقاكم { وأمر كلا منهما بالرضا بقسم
الله سبحانه فقال } ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض { ، يقول الدكتور بكر أبو زيد رحمه الله : (( إذا كان هذا النهي - بنص القرآن - عن
مجرد التمني، فكيف بمن ينكر الفوارق الشرعية بين الرجل والمرأة وينادي بإلغائها
ويطالب بالمساواة ويدعو إليها باسم المساواة بين الجنسين ؟ فهذه بلا شك نظرية إلحادية، لما
فيها من منازعة لإرادة الله الكونية القدرية في الفوارق الـخَلقية والمعنوية
بينهما، ومنابذة للإسلام في نصوصه الشرعية القاطعة بالفرق بين الذكر والأنثى في
أحكام كثيرة ))[1].
فمجال الخلق إذن هو التسليم والانقياد وتطبيق الأمر
لا الاستدراك على النصوص، أما الذي لم يمتثل حدود الله التي حدها وأخذ يتخير ما
يراه حسنا بعقله -الذي لئن كان سليما فلم يكن ليتعارض مع النص- فقد بغى واعتدى لأن
العقل الصحيح لا يناقض النقل الصريح، قال تعالى }
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى
الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم {
وبذاك يكون قد نصب نفسه مشرعا مع
الله، قال تعالى } أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله { وبالتالي لا يمكن قبول أي قول
يخالف هذا أيا كان قائلة ولا يقال في هذه المسائل بالحوار والتقريب، إنما يقال
بذلك في الأمور التي تحتمل الخلاف السائغ، أما والحال هذه ولدى القوم نية مبيتة بل
شنوا حربا مستعرة لهدم أعمدة الدين فلا حوار ولا تقريب، ونحن عندما نرد فإنما نرد
من موقف دفاعي ذودا عن حياض الشريعة وتمثُّلا لقوله عز وجل : }
ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض
لفسدت الأرض {، وأضعف الإيمان أن يقال لهؤلاء : هل سكت المبطلون فنسكت ؟
وقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ألا يكتموه فقال سبحانه }
لتبيننه للناس ولا تكتمونه {.
نخلص أن لكل جنس وظيفته ورسالته في الحياة، وصدقت
امرأة عمران عليها السلام عندما وضعت مريم وكانت تبغي الذكر لأجل خدمة المسجد
الأقصى، قال الله تعالى على لسانها } وليس الذكر كالأنثى {، بل حتى من الناحية الخِلقية
خُلق آدم من طين وخلقت حواء من ضلعه أي من روح وبالتالي يكون الرجل أنفع في
الأعمال الموجهة لتطويع الطبيعة التي تتطلب بطشا وجلَدا وقوة في التحمل كالفلاحة
والحفر والبناء... بينما تكون المرأة أنفع في التعامل مع الروح كتربية الأبناء
وحسن التبعل لزوجها... وليست الوضعية المزرية التي ترزح تحت وطأتها المرأة في
مجتمعاتنا نتيجة تمييز الشريعة، وإنما هي نتيجة التخلف الشامل للمجتمع الذي لا
يعكس الشريعة البريئة منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب بقدر ما يعكس سوء تمثلنا
لها في الحياة اليومية، والبديل لا يكون بما يُبَث أو يُستورد لاختلاف البيئة من
جهة ولأنه يتعامى عن أصل الأدواء، ولكن الدواء في العودة إلى النبع الصافي :
الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة الذين هم وسط بين المفَـرِّطين والمفْرِطين بين
المشَدِّدين والمتساهلين بين اليهود والنصارى من جهة، الذين جعلوا المرأة أصل
الشرور والخطيئات في كتبهم المحرفة وبين العَلمانيين ودعاة التغريب من جهة أخرى
الذين يقولون بالمساواة بينها وبين الرجل من كل وجه.
وهؤلاء الذين يرفعون شعار التغيير لم يتناسوا للحظة
أنه صعب التنزيل للغاية في البيئة الإسلامية لكنهم يعتمدون سياسة النفس الطويل
والقناعة بالفتات في كل مرة ولو لم يستجب لهم إلا المفتونون السذج، إذن.. هي الحرب
الناعمة التي لا ترفع فيها أسلحة ولا تراق فيها دماء ولكنها على المدى البعيد تنشئ
أجيالا بولاء تام للأعداء ذوو انبهار مطلق بمظاهر المدنية الخالية من روح الحضارة
ومعاني التحضر، ولذلك فهم يكثرون الدندنة حول هذا الموضوع منذ أواسط القرن الماضي
-أو قبل ذلك بقرون إذا تحدثنا عن التخطيط الذي سبق التنفيذ- دون سأم أو ضجر من
خلال التركيز على المرأة بالذات بإعطائها مهاما أو وظائف لا تتلاءم مع تركيبتها
الجسمية أو النفسية بحجة أن في ذلك إنصاف لها، وهذا التوجه فيه ما فيه من الضلال
المبين، وغاية كل ذلك إقصاء وظيفة المرأة الأساسية أعني تفرغها لتربية الأبناء ( أقول
الوظيفة الأساسية وإلا فقد أجاز الإسلام للمرأة العمل وجعل لها ذمة مستقلة عن
وليها أو زوجها، ولكن ليس أي عمل إنما الذي دعت إليه الضرورة والمستجيب للضوابط
الشرعية وعلى قدر الحاجة إليه )، والغاية كذلك المبالغة في الاعتناء بجمالها
والمحافظة على رشاقتها كما يزينون لها لأن الحمل والرضاعة وأعباء المنزل من شأنها
أن تذهب زهرتها وحسنها ولا سبيل لذلك إلا إشغالها بتحصيل الوظيفة بالدرجة الأولى
وقد أضحى شائعا أن النساء اللواتي يرتقين في المؤهلات الدراسية لتحصيل أعلى
المراتب الوظيفية يكن أقل قابلية للاقتران بزوج أو بالأحرى ليس من أولوياتهن في
الحياة، فلا تلتفت الواحدة منهن إلا وتجد الأوان قد فات لبناء أسرة وحتى لو تمكنت
من ذلك لا تكون نية الغالبية منهن الإنجاب لأنها تكون على مشارف سن اليأس فلا يرجى
من زواجها تكثير نسل الأمة - العبارة التي حذفت من تعريف الزواج عند إعادة صياغة
قانون الأحوال الشخصية- إنما يكون هدفها تحقيق الذات والإحاطة بكل متع الحياة
والمزاوجة بين الزواج والوظيفة، والملاحظ أن المرأة العاملة تقوم بمجهود مضاعف
للتوفيق بين عملها وأسرتها ولسان حالها أنها تحاول إقناع نفسها وغيرها أنها لم
تنشغل بالدراسة والوظيفة عن الحياة الشخصية، وما ينبغي أن نسجله في هذا المقام أن المرأة
خرجت تبحث عن الخيال الواهم وتركت الثغر من جهتها خاليا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كل مسلم على ثغر من الثغور فلا يُؤْتَيَنَّ
الإسلام من قِبَلِه )) وزاحمت الرجال في ما لا تحسنه بغية إنصافها ومساواتها
بالرجل المساواة المزعومة التي لا تقر بها شريعة منزلة ولا ذوق سليم ولا توجد إلا
في المخططات الغربية التي تهدف إلى خلق مسخ ثقافي في جسم الأمة الإسلامية، وفعلا
انسلخت الأمة عن هويتها فلا هي وحش يسير ولا طير يطير، لا هي ظلت متشبثة بقيمها
وثوابتها ولا هي تغربت بمعنى الكلمة، والنساء تتحمل النصيب الأوفر من المسؤولية
لأنهن نصف المجتمع وينجبن ويربين النصف الآخر، وأستغرب لماذا يرفعن شعار الانتصاف
من الرجال إذا كان هؤلاء الرجال تربية أولئك النساء وترعرعوا في أحضانهن، والقول
بالمساواة المطلقة من كل وجه دون اعتبار للاختلافات الكبيرة والعديدة بينهما لخطأ
محض لا يقول به عاقل فضلا عن مثقف محسوب على العلم والنظر، ولا يُتصور أن مثل هته
الشطحات تنطلي للوهلة الأولى على الإنسان الذي كرمه الله بالعقل وأسجد له الملائكة
قال تعالى } ولقد كرمنا بني آدم {، وذلَّل له كل المخلوقات
فاستطاع بعقله الراقي أن يطَوِّع قوى الطبيعة ويستثمرها لصالحه، فلا يزال بخير ما
لم تَنتكس فطرته فيتردى من سُمو الإنسانية إلى حضيض الحيوانية، إذن لابد من وجود
دوافع جعلت هذا الأمر مقبولا في أذهان الناس، أو بمعنى أوضح لابد من وجود فلسفة
تشرع للتصورات السلبية حتى ولو لم تظهر مصاحبة لها في مجرى التغيير، وبالتالي لابد
من وجود أيادي خفية تحرك الكراكيز التي تظهر في الواجهة وعلى الأغلفة.
تعجبني كلمة للأديب عباس محمود العقاد صار يضرب بها
المثل وذلك عندما عبر في إحدى كتاباته بعقلية القطيع، نعم صرنا كما وصف تماما
أصبحنا نتكلم لغة واحدة نفكر نفس التفكير نتصرف بنفس السلوك لا فرق في ذلك بين
المشرقي والمغربي ولا العربي والعجمي ولا المسلم وغيره، كل ذلك نتيجة العولمة التي
كان من أهم منطلقاتها وثوابتها ما يصطلح عليه باسم : «la normalisation» أي توحيد
المعايير ومستويات الإدراك قبل أن يستقر معناها على : «la mondialisation» أي العالمية بجعل العالم
كله قرية صغيرة كما يقال، خذ مثالا على ذلك مصطلح "الإرهاب" الذي لم يكن
مشهوراً قبل أحداث 11 سبتمبر أما بعدها فكل الناس يفهمون منه ما أريد تسويقه منه
بحصر معنى الإرهاب في الشخص المسلم لا غير، وخذ مثالا آخر مصطلح
"السلفية" لا يجب أن يُفهم منه بتاتا ما يحاولون الترويج له من الذبح
والتنكيل والاعتداء على أهل الذمة... ولكنها ببساطة نسبة إلى السلف وهم القرون
الهجرية الثلاثة الأُوَل المقطوع بخيريتهم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم حيث قال : (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم
الذين يلونهم )) تلك يطلق عليها "سلفية زمان"، وهناك "سلفية
اعتقاد" وهم كل من جاء بعد هؤلاء وجعلوهم مرجعا لهم في استقاء الأفكار
والعقائد والمنهج بصفة عامة، إذن لا داعي لتحميل اللفظ فوق ما يطيق، وبالتالي لا
داعي لإفزاع العوام بهذا البعبع، وبهذه المناسبة رحم الله السلطان العلوي المولى
سليمان رحمة واسعة لأنه كان من بين الذين تأثروا بالمنهج السلفي حيث كان سلفيا
صرفا بامتياز مدافعا عن السنة وأهلها ومحاربا للبدع والصوفية والقبورية والمواسم
ولقي جراء ذلك من عنت الرعية الشيء الكثير، فاللهم اجزه عن المغرب والمغاربة خير
الجزاء وارزقه مجاورة نبيك في دار الخلد آمين[2]، فإذا قيل إن هذه ظلامية ورجعية
تعرقل التقدم : نقول وأيضا ما يحاولون تزويقه وتنميقه قديم الجذور كذلك ضارب في
التاريخ، مستمد من الفلسفات اليونانية والوثنيات الإغريقية، فمَن الأولى إذن أن يُنعت
بالرجعي ؟ وأما الظلامية فلم يعرفها المسلمون إلا عندما أخذوا بقايا طعام الغربيين
المتعفنة، فعندما كانت الكنيسة تسبح في برك الجهل أيام العصور الوسطى كانت ديار
المسلمين تتلألأ علما وعملا وكان غير المسلمين يشدون الرحال إليهم ويتربعون لطلب
العلم تحت أقدام علماء المسلمين وما حضارة الأندلس منا ببعيد.
أفادك هذا التفصيل فائدة وهي أن العولمة آلية جد
فعالة لمسح قاعدة البيانات التي تشكل ممانعة ضد التغيير ومن ثم إعادة صناعة الوعي
من جديد بتقديم المشروع التغريبي للمرأة كحل فريد للخروج من الأزمة، ودائما تحت
مُسمَّيات لا يَعلم ما تخفي من مزالق إلا الغيور على أهله الذي خَبِر سُبل الإفساد
وأهله، ومن ذلك مفهوم "تحرير المرأة" وشخصيا لا أفهم منه إلا معنى
الحَريرة.
آلية أخرى ساهمت في قبول التغيير، ولْنَكُن صرحاء قليلا ولو مع أنفسنا،
فأحيانا تأتي الهزيمة من الداخل وبالتالي فلا داعي لأن نعلق أخطاءنا على مشجب
الغير متحججين في كل مرة بالمخططات والمؤامرات، فقد ساعد إلى حد ما وجود بيئة
منحطة جمعت كل مظاهر الظلم الاجتماعي على هذا التغيير، وشكل الفراغ الروحي وغياب
النموذج الأمثل السبب الرئيس لاستقبال المشروع الغربي وتبريره والدفاع عنه، وتمهيد
الأرضية له من طرف كتائب الاستطلاع الذين يصدق عليهم وصف "المنافقون
الجدد".
ولنعد للموضوع، فمثلا البنية الأسرية الحالية
[زوج/زوجة/أبناء] إنما فرضها الواقع والتطور التاريخي عندهم وبالتالي فلا مانع من
إنشاء أسرة من رجلين أو من امرأتين كل ذلك باسم الحرية، وقد حدث فعلا في بعض الدول
التي تجاوزت مرحلة الحداثة -التي لا زال يسعى إلى بلوغها العميان والمبتدؤون- إلى
فكرة جد متقدمة يسمونها الفوضى الخلاقة التي نتجت إثر التفلت والتسيب وإباحة
الاستباحة حتى خرجت عن السيطرة، هي فوضى نعم.. لكنهم يلبسونها ثوب
الشرعية بوسمها بصفة الخلاقة ولا يحاولون إثارتها وتقويمها إنما يتركونها على ما
هي عليه للمحافظة على السبات العميق، وليست الدول الإسلامية بمعزل عن هذا الخطر
الداهم فقد باتت تقرع مسامعنا صيحات التغريب والتحديث المقرفة من بعض الجهات التي
اصبحت لها منابر ولها صيت واسع الانتشار، ولا تكاد تمضي يومك وأنت تقلب أجهزة
الإعلام إلا وتسمع أو ترى أحد هؤلاء ينعق ويهرف بما لا يعرف يقول : أنا أعتبر، أنا
أظن، أنا أرى...أنا أنا أنا، من طلب رأيك أيها ال...إنسان ؟
يقولون هذا عندنا غيرُ جائزٍ فمن أنتم حتى يكون لكم عندُ
قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : (( يأتي على الناس سنوات خداعات
يُكذَّب فيها الصادق ويُصدَّق الكاذب ويُؤتمن الخائن ويُخوَّن الأمين ويَنطِق الرُّوَيْبِضَة،
قيل : وما الرويبضة ؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ))، وهل يأتي الخير
على أيدي هؤلاء الذين تربوا تربية غربية لا يعلمون عن الإسلام إلا الإسم ؟ حتى صدق
عليهم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (( توشك أن تنتقض عرى الإسلام
عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية ))، فكيف يستقيم الظل والعود
أعوج ؟ وكيف تنتظر من هذا أن يُحصِّن النشء ضد التغريب ؟ ففاقد الشيء لا يعطيه ومن
أمل ذلك فقد أمل المستحيل الرابع[3]، إنما دور هؤلاء العملاء
المدسوسون بيننا ويتكلمون بألسنتنا هو إبقاؤنا مشتغلين بالتدقيق في الفروق
والخلافات والعصبيات والقوميات... وألا نلتفت لما يجمعنا على اختلافنا وتشعب
ميولاتنا، كي لا نؤمن أو نقتنع بأن كل تلك الخلافات تذوب وتتماهى كقطرة ماء وسط
بحر لُـجِّي، صراحة أحيي أسيادهم بحرارة وأشد على أيديهم وأحب أن أصفهم "برجال
العمليات الخاصة" لأنهم عرفوا من أين تؤكل الكتف.
ولا أحد بيننا ينكر شمولية الإسلام وصلاحيته لكل الأزمنة وفي كل الأمكنة
وحتى الذين يسارعون فيهم أقصد الخونة، لا يستطيع الواحد منهم أن يكذب الكتاب أو
السنة بأن يظهر أوراق لعبه منذ البداية ويبين نياته[4] الخبيثة وإلا طعن في إيمانه وتم
إبعاده وحشر في زمرة المنافقين، لكن الذين يحضون على الأخذ بالمواثيق الدولية لا
يقدمونها كبديل مقابل ترك الدين ولكنهم يدعون إلى تقبلها بشكل انسيابي، لأن الذين
قاموا بصياغتها والذين يتبنونها أقصوا كل ما من شأنه أن يشير إلى الدين أو الأخلاق
أو الفضائل أو حتى الأعراف والتقاليد، وإذا ما ذكرت فإنها تذكر على أنها صور نمطية
أو تجليات ثقافية يجب تداركها لمسايرة التطور وعدم التخلف عن الركب، من ذلك ما جاء
في تقرير حول تحليل الوضع الوطني : [لأننا عملنا باسم الدين على إثارة التنوع الثقافي بل
وتعزيزه ومنازعة الحقوق الإنسانية باعتبارها مطلبا أساسيا،
فقد أذكت الخصوصيات الثقافية النقاش حول إصلاح مدونة الأحوال الشخصية، وأجهضت العديد من محاولات المراجعة... ويهدف هذا الوضع إلى الحيلولة دون اعتماد تدابير ضد التمييز ووقف حركة النضال من أجل القضاء على أشكال التمييز.][5]، ولا سبيل لبلوغ ذلك إلا بتعديل
الشرائع والقوانين التي يفهم منها مس بكرامة المرأة على حد زعمهم كما أشارت لذلك
المادة 2 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي حثت الدول
الأعضاء على: (( اتخاذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لتعديل أو إلغاء
القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزا ضد المرأة ))،
فتنقاد الدول الموقعة لهذا المطلب الذي ترى فيه رفعا من شأن المرأة لأنها ما اطلعت
على تكريم الإسلام للمرأة والذي لم تبلغ المواثيق الدولية مُجتمعةً حرفا واحدا مما
أقره الإسلام لصالحها، ومن التشريعات التي تشكل حيفا على المرأة في نظرهم الوصاية
على المرأة في الزواج والطلاق... وفعلا تم تعديل القانون المنظم للأحول الشخصية
وغيبت منه مصطلحات من قبيل النكاح والطاعة وتربية الأبناء كمهمة خاصة بالمرأة... وغيرها
الكثير.
والتعبير بالنمطية أو بالأنماط يخفي حمولة فكرية ذات
دلالات وأبعاد تُلغي القول بأن التكوين الخَلقي الفطري هو أساس هذه التمظهرات وأن
الله سبحانه هو الذي ميز كل جنس عن الآخر بأدوار ووظائف تليق بتركيبته ولا يقع شيء
في ملكه إلا بتصرفه ومشيئته، وإنما تُرجع ذلك للتطور الذي لم تبق نظريته حبيسة
البيولوجيا فقط ولكنها امتدت [لتكون فكرة فلسفية داعية إلى التطور
المطلق في كل شيء، تطور لا غاية له ولا حدود، وانعكس ذلك على الدين والقيم
والتقاليد، وساد الاعتقاد بأن كل عقيدة أو نظام أو خلق هو أفضل وأكمل من غيره،
مادام تالياً له في الوجود الزمني.][6]، وبالتالي فتفسيرهم اتساع الهوة
بين النساء والرجال في المجتمع راجع بالضرورة للتطور التاريخي الذي شيئا فشيئا كرس
للهيمنة الذكورية عبر السنين دون أن يتجلى ذلك في الحياة اليومية أو يستشعر
الأفراد هذا الانتقال... والتسليم بهذا الهراء هراء.
ولنا أن نتساءل كيف استطاعت نظرية بئيسة عن الحِجاج حتى عن نفسها مثل
نظرية النشوء والارتقاء أن تصبغ حياة البشرية من الألف إلى
الياء، والجواب أن الذين يتبنونها هم من
يقودون العالم ويُشرِّعون باسم
الديموقراطية والسلام والحرية وغيرها من الشعارات غير البريئة، جاء في
بروتوكولات حكماء صهيون : (( لا تتصوروا أن تصريحاتنا كلمات جوفاء ولاحظوا هنا أن
نجاح داروين وماركس ونيتشه... قد رتبناه من قبل، والأمر غير الأخلاقي لاتجاهات هذه
العلوم في الفكر الأممي[7]
سيكون واضحاً لنا على التأكيد ))[8]،
فيا حسرة على من كان هؤلاء أعرف منه بطرق الخطأ والصواب.
حتى صار بل ويعتبر جانِـيّاً كل من خالف ولم يتبنَّ الفكرة الـمُعَولمة
التي أريد لكل الناس أن تكون دليل استرشادهم ونبراس حياتهم، ويُسقط من أعلى عِلِّــيِّين
إلى أسفل سافلين كل من قال بالعكس ولا تشفع له إنجازاته ولا بحوثه العلمية ولا
خدماته التي أسداها للإنسانية عامة، أما الحرية والديموقراطية فرهينة بعدم التعرض
لزعزعة الثوابت الباطلة أو محاولة إثارة الشخير العام، هذا عندهم في الغرب أما
عندنا فقد آثر الكثيرون التزام سياسة الصمت أو التورية وإيلاء الأمواج العاتية
ظهورهم وهم يقرؤون آية من كتاب الله يفهمونها على غير مخرجها }
يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا
يضركم من ضل إذا اهتديتم {.
قد يرانا البعض أبعدنا النهج في تقريب الموضوع بإدخالنا فيه ما ليس منه،
فيجاب أن الخيوط متشابكة يجر بعضها بعضا وكل فكرة تُسْلِمُك إلى قرينتها ولم نضع
في اعتبارنا عند اختيار الموضوع التطرق لهذه البلايا الدفينة ولكن طبيعة النقاش
اقتضت ذلك، فلمن أراد الحق فقد عُرِف الطريق.
وختاما نقول إن الحق أبلج
والحق أحق أن يتبع، وليس الذكي الفطن من يعرف الخير من الشر لأن هذا كل الناس
يعرفه ولكن الذكي الفطن من يعرف خير الخيرين من شر الشرين كما قال شيخ الإسلام
رحمه الله.
فــــــــــــــــــــــــــــيا :
شَــبابَ الحقِّ للإسلامِ عودوا فأنتمْ مَجْــــــــــدُهُ وَبِكُمْ
يَســــــــــــــــودُ
وأنتم سِـــرُّ نَهْــــــــــــضَتِهِ قـــديـماً وأنتم فَجْرُهُ الباهِـــــــــي الجَديــــــــدُ
وأنتم سِـــرُّ نَهْــــــــــــضَتِهِ قـــديـماً وأنتم فَجْرُهُ الباهِـــــــــي الجَديــــــــدُ
إخوتي الأفاضل لا أحد يستطيع أن يحجر على فكر أحد بأَطْرِه على تبني موقف
معين حتى ولو كان صوابا لأن الآخر لا يراه من نفس الزاوية التي تم عرضه بها ولا
غرابة :
فَضِدُّ كلِّ امْرِئ ما كان يجهلهُ والجاهلون لأهل العلم أعـــــــداءُ
واللبيب إن استشعر أن له حياة واحدة سيعز عليه أن يقامر بها إلا فيما يعود
عليه بالنفع، ولاستغل كل لحظة فيها ليربو بها ويطيلها من جهة العمق والإحاطة لا من
جهة الحساب، فلا ينبغي له بحال الثبات على لون معين من المعرفة دون أن يكلف نفسه
البحث عنه لا فيه، متبعا لأجل ذلك مسلكين عظيمين : أحدهما : التجرد من كل الأفكار
المسبقة واتباع على الأقل منهج ديكارت[9] في تقصي الحقائق وإثباتها،
والآخر: الموضوعية بعدم إقحام الذات والانتصار للأنا على حساب المسلمات.
فهذه همسات قلب مشفق عسى أن تقرع قلوبكم، فإن قلتم وما الذي حملك على كل
هذا ؟ أقول : والله الذي رفع السماء بلا عمد وبسط الأرض فما يدرك من منتهاها أمد
ما أردت لكم إلا النصيحة.
والله أسأل أن يـرُدَّ المسلمين إلى دينهم ردا جميلا إنه ولي ذلك والقادر
عليه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
[1]. كتاب
حراسة الفضيلة.
[2]. ولمن
أراد الاستزادة فليطالع خطبة له بمثابة مرسوم دعا فيها للتمسك بالسنة وأغلظ على
المخالفين من أهل البدع وقد قدم لهذه الخطبة الشيخ الدكتور تقي الدين الهلالي في
رسالة بعنوان : "الانتصار للسنة ومحاربة بدع الطوائف الضالة" فليرجع
إليها فإنها مفيدة.
[3]. إشارة إلى قول الشاعر : ولقد علمت أن المستحيل ثلاثة ... الغــول والعنقاء والخــــل الوفــي.
[4]. يجمع لفظ النية على نيَّات وليس نوايا، راجع كتاب تقويم اللسانَيْن لتقي الدين الهلالي رحمه الله.
[5]. التقرير الرابع 2008-2011 الحقوق الإنسانية للمرأة والمساواة على أساس النوع الاجتماعي المغرب ص 39 ، برنامج ممول من طرف الاتحاد
الأروبي.
[6]. الموسوعة
الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة.
[7]. تتردد في البروتوكولات كلمة "أممي" أو ما تصرف من
مصدرها وهي إسمٌ عَلَمٌ على كل إنسان أو أي شيء ليس يهوديا.
[8]. ترجمة
محمد خليفة التونسي.
[9]. لم نُدلِّل بهذا إلا من باب مخاطبة القوم بما يعرفون، لأن الشك
أو ما يصطلح عليه بالكوجيطو الديكارتي ليس منهجا مطردا، فلا يشمل الغيبيات
والماورائيات وغيرها من الأمور المقررة بالوحي، والتي يلزم الإنسان الانقياد لها
والتسليم بها حتى ولو لم يتبين عِلاتها لأنه ران على قلبه ما حجب عنه بلوغ الحقيقة
التي أخذ الله بها عليه الميثاق وهو في عالم الذر عندما مسح على ظهر أبيه آدم
فأخرج منه كل نسمة هو بارِؤها من صلبه إلى يوم القيام فقال لهم سبحانه } ألستُ بربكم قالوا بلى { فأعادهم إلى ظهره ليُقضى أجلُ كلٍّ منهم متى قُدِّر له، والإنسان
يولد موحدا على الفطرة لا شاكا وهذا ما أثبته العلم الحديث من دراسات أجريت على
عينة أطفال، يقول سبحانه } أفي الله شك { وفي الحديث القدسي (( خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين )).
رموز انفعاليةEmoticon